للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن علي، وأُخبرتُ عن عيسى بن عليّ، قالوا: نحن عند أبي جعفر حين كلَّمه ابنُ أبي ذئب بما كلَّمه به من ذاك الكلام الشديد، فظننا أنَّ أبا جعفرٍ سيعاجلُه، فجعلنا نكفُّ ثيابنا، ونتنحى (١) مخافة أن يصيبنا من دمه.

قال: وجزعَ أبو جعفر واغتمّ، وقال له: قم فاخرج فخرج، ورزقَه اللهُ السلامة من أبي جعفر.

قال الواقدي: وخرجَ ابنُ أبي ذئب إلى أمِّ ولده سلامة، فقال لها: احتسبي دنانيرك التي كان حسن بن زيد يجريها عليك. قالت: ولم؟ قال: سألني أبو جعفر عنه، فقلت: كذا وكذا، فقالت: ففي الله خلفٌ وعوضٌ منها.

وخرجَ الحسنُ بن زيد، فذكر ذلك لابن أبي الزناد وقال: والله ما ساءني (٢) كلامه، ولقد علمتُ أنَّه أراد الله بذلك، ولم يرد به الدنيا ولا رضا أبي جعفر، فلمَّا كان رأسُ الشهر بعثَ إليه بعشرة دنانير؛ زاده خمسةً أخرى، وقال: إنَّما زدته لإرادته وجه الله. فلم يزل يجريها عليه في كلِّ شهرٍ حتَّى مات.

قال الواقدي: أرسَلُوا إلى ابن [أبي] ذئب، فأقدموه إلى بغداد، فأعطوه ألفَ دينار فلم يقبلها، فقالوا: خذها ففرقها في أهل المدينة، فأخذَها، فلمَّا كان بالكوفة اشتكى، فماتَ فدُفن بالكوفة في سنة تسع وخمسين ومئة، وهو يومئذ ابنُ تسعٍ وسبعين سنة.

قال: وكان يُفتي بالمدينة، وكان عالمًا ثقةً فقيهًا عابدًا ورعًا فاضلًا. هذا قول ابن سعد (٣).

وقال جدِّي في "المنتظم" عن محمد بن خلَّاد قال: لما حجَّ المهدي دخلَ مسجدَ رسول الله ، فلم يبق أحد إلَّا قام، إلَّا ابن أبي ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم فهذا أمير المؤمنين، فقال ابن أبي ذئب: إنَّما يقومُ الناس لربِّ العالمين، فقال المهدي: دعهُ فلقد قامت كل شعرةٍ في رأسي (٤).


(١) في (ج): ونتحاذا. والمثبت من طبقات ابن سعد ٧/ ٥٦٢.
(٢) في (ج): سألني. وفوقها: كذا. والمثبت من طبقات ابن سعد ٧/ ٥٦٢.
(٣) طبقات ابن سعد ٧/ ٥٥٨ - ٥٦٣.
(٤) المنتظم ٨/ ٢٣٤.