للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخوك سفيان جاء إلى زيارتك، فقام وسلَّم عليه واعتنقا وجلسا يتذاكران، ثمَّ قام وقمنا معه، فأكرينا نفوسَنا في الحصاد؛ كلُّ واحدٍ بدرهم، وأكرى إبراهيمُ نفسه بثلثي درهم، فلما كان عند المساء قال سفيان: امضِ واشتر لنا ما نفطرُ عليه، قال: فاشتريتُ لهم طعامًا، فلمَّا صلَينا العشاء قال سفيان لإبراهيم: كل، فقال إبراهيم: لا، بل أنت كل، فأنت أعلمُ منِّي وأكبر فما أتقدمك، فقال سفيان: إنَّا قد حصدنا وأجهدنَا أنفسنا، فقال إبراهيم: فهل تضمنُ أنَّا نصحناه؟ (١) فقال سفيان: لا أدري، فقال إبراهيم: لا حاجةَ في فيه، فقال سفيان: ولا أنا أرغبُ فيما زهدتَ فيه، فتصدَّقنا بالطعام، وبتنَا طاويين.

وحكى ابنُ باكويه الشيرازي عن ابن بشار قال: حدَّثني إبراهيم بن أدهم قال: مررتُ في بعض بلادِ الشام في بعض الجبال، وإذا بحجرٍ مكتوب عليه نقشٌ بالعربية بَيِّن: [من مجزوء الخفيف]

كلُّ حيٍّ وإن بقي … فمنَ العمرِ يستقِي

فاعمل اليوم واجتهد … واحذر الموتَ يا شقِي

فبينا أنا واقفٌ أقرأ وأبكي إذ أتاني رجلٌ أشعث أغبر، عليه مِدرَعَةٌ من شعر، فسلَّم عليَّ فرددتُ عليه، فقال: ما يبكيك؟ قلت: قرأتُ هذين البيتين فبكيت، فقال: وأنت لا تتعظ حتى توعظ؟ سر معي حتى أريك غيره، فمضيتُ معه غير بعيد وإذا بصخرةٍ عظيمةٍ شبه المحراب، فقال: اقرأ وابك ولا تقصر، ثمَّ قام يصلِّي وتركني، وإذا في أعلاها نقش عربي. [من الكامل]

لا تبتغي جاهًا وجاهُك ساقطٌ … عند المليكِ وكنْ لجاهكَ مصلحا

وفي الجانب الأيمن مكتوب: [من مجزوء البسيط]

من لم يثق بالقضاءِ والقدر … لاقى أمورًا كثيرةَ الضرر

وعلى الجانب الأيسر مكتوب:

ما أزين التُّقى وأقبحَ (٢) الخنا، وكل مأخوذٌ بما جنى، وعند الله الجزاء.


(١) قائله كما في مناقب الأبرار ١/ ٧٩: سفيان.
(٢) في حلية الأولياء ٨/ ١٢، وتاريخ دمشق ٢/ ٤٠٤: وما أقبح.