للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو فروةَ من أَرْأَسه، بل من سَبيٍ من جبل الخليلِ بالشَّام، وهو جبلُ صيدا. وقيل: أبو فروةَ من سَبي عينِ التَّمر، ابتاعه ناعمٌ الأسدي ودخل به المدينةَ وعليه فروة، فاشتراه عثمانُ رضوانُ اللهِ عليه فأَعتقه، وجعل يحفر القبور، وكان أَلثغ، فلمَّا قام النَّاسُ على عثمانَ كان معهم، فناداه: يَا أُثمان، رُدَّ المدالم، فقال له عثمانُ رضوانُ الله عليه: أَنْتَ أوَّلُها، ابتعتَ من بيت المالِ لتحفرَ قبورَ المسلمين فتركتَ ذلك.

ثم ولد أبو فروةَ عبدَ الله، وولد عبد الله محمدًا، وولد مُحَمَّد يونس، وكان يتيمًا في حجر جدَّته، وكان لجدَّته جاريةٌ نفيسة، فواقعها بغير إذن جدَّته، فحملت منه، فولدت الرَّبيع، فجحده يونُس، وجحدته جدتُه، فلما شبَّ باعته، فاشتراه زيادُ بن عبيدِ الله الحارثيُّ فأَهداه إلى أبي العباس، ثم انتقل إلى أبي جعفر، فاستمال ابنُ أبي فروة بالأموال حتَّى شهدوا له بأنه ابنُ يونسَ وأنه أقرَّ به، وكان محمدُ بن أبي فروةَ من أجلِّ موالي المدينة وأَسراهم نفسًا وكَرَمًا ويسارًا، فخطب إلى محمَّد بنِ يوسفَ مولى عثمانَ ابنتَه عمارة، فزوَّجه إياها، فولدت له يونسَ بن محمَّد، ونشأ على طريقة أَبيه.

وكان المنصورُ صيَّر الربيعَ خليفةَ حاجبِه أبي الحصيب مرزوقٍ مولاه، ثم أَعتقه وصيَّره حاجبَه، ثم بلغه أن الربيعَ يقول: إنه ابنُ يونس، فدعاه وأدَّبه، وقال: يَا ابنَ الخبيثة! أَعتقتُك واصطفيتك وأنت تدَّعي ولاءَ عثمان!

ووجَّه المنصورُ إلى يونسَ فقال له: إنَّ الربيعَ يزعم أنَّه ابنُك، فأَنكر ذلك وحلف عليه، فأعجب أَبا جعفرٍ وأَحسن إلى الرَّبيع ووصله، وبهذا كان جعافرُ بن يحيى يُكنى أَبا رَوح؛ لأن أهلَ المدينة يكنون اللقيطَ أَبا رَوح.

وقال الصُّولي: ما رأيتُ أحدًا من أهل العلم إلَّا وهو يصحِّح نسبَ الربيعِ أنَّه ابنُ يونسَ بنِ محمَّد، وكان المنتوفُ يطعُن في نسبه ويقول له فيه شبهةٌ من المسيح، يخدعه بذلك، فكان يُكرمه، فأُخبر المنصور بمقالة المنتوفِ فقال للربيع: ويحك، إنَّه يقول: لا أبَ لك، فتنكَّر له بعد ذلك، ودخل فتًى من بني هاشمٍ على المنصور، فسأله عن أَبيه فقال: مرض في وقت كذا، وجعل يكثر الترحُّمَ على أَبيه، فاغتاظ الربيعُ فقال: كم تترحَّم على أبيك بين يدي أميرِ المُؤْمنين؟ فقال له الفتى: ما أَلومك؛ لأنك ما ذقتَ حلاوةَ الآباء، فضحك أبو جعفر حتَّى استلقى على ظهره، ولم يُرَ ضاحكًا مثلَ ذلك