وقال: تغدَّ معي، فامتنع، فدلَّ على سوءِ أدبه، وظنَّ أن طعامَ أميرِ المُؤْمنين للعلف، ونسي أنَّه للشَّرف، فقال له: أَحسنت.
وكان أبو جعفرٍ يقول: إنِّي لأَضنُّ بالربيع عن الولاية، هو أكبرُ منها.
وقال المنصورُ يومًا: سَلْني ما تريد، فقد سكتَّ حتَّى أَبرمت، وخفَّفت حتَّى ثقلت، وأَكثرتَ حتَّى قللت، فقال له: يَا أميرَ المُؤْمنين، واللهِ لا أغتنم مالك، ولا أستقصر عُمرَك، ولا أستصغر فِعلَك، وإنَّ يومي بفضلك عليَّ لأَحسنُ من أمسي، وغدًا في تأميل رجائي أحسنُ من يومي، فقال له المنصور: علمي بهذا منك أَحلَّك هذا المحل مني، فسلني ما شئت، قال: أسألك أن تحبَّ ابني الفضلَ وتقرِّبَه، فقال: أما الحبّ، فليس بمالٍ يوهب، ولا بزينة تُبذَل، وإنما تؤكِّده الأسباب، وأما تقريبُه، فقد أَجزتُه بألف ألفِ درهم، ولم أَصِلْ بها غيرَ عمومتي.
وكان المنصورُ يقول: واللهِ ما من أحدٍ قريب أو بعيد يُطيف بي إلَّا وقد غفرتُ له ذنوبًا، إلَّا الرَّبيع، فإنّه ما أذنب إليَّ ولا أخطأَ في شيءٍ قط.
ولَمَّا شرع المنصورُ في بناء بغدادَ وخرج عليه محمدٌ وإبراهيم، جعل المنصورُ يدور في بستان، وإذا بشجرة خلافٍ قد نبتت، ولم يكن أبو جعفر يعرفها قبل ذلك، فقال: يَا ربيع، ما هذه؟ فكره أن يقول: شجرةُ الخلاف، فقال: هذه شجرةُ الوِفاق، فأُعجب أبو جعفرٍ به.
ذكر وفاته:
كان الهادي في قلبه عليه، فقال لسعيد بنِ سَلْم: أريد قتلَ الربيعِ وما أدري كيف أَصنع، فقال له: أَقعِد له رجلًا في الطريق ومعه سكِّين مسمومةٌ ومُرْه بقتله، فأَقعد له في الطريق رجلًا وأَمره بقتله، فخرج الربيعُ من عنده ليلًا، فلم يمرَّ على ذلك الرَّجل، وسلك غيرَ الطريقِ الذي كان فيها، ثم علم الربيعُ بعد ذلك، فانصدع قلبُه فمات بعد ثمانيةِ أيام.
وقيل: إنَّه كانت للرَّبيع جارية، فأَهداها إلى المهديِّ فوهبها لابنه الهادي، فكانت أعزَّ الخلقِ عليه، فوشى بعضُ أعداءِ الرَّبيع إلى الهادي وقال: إنَّه يقول: ما وضعتُ بيني وبين الأرضِ مثلَ أَمَةِ العزيزِ، يعني الجارية، فغار الهادي غَيرةً شديدة، ودعا به