فقلت: ما تريد؟ قال: أَنْتَ، قلت: وما حاجتُك؟ قال: شممتُ منك ريحَ الطِّيب، فعلمتُ أنك من أهل النَّعيم، فأردتُ أن أشرحَ لك قصَّتي. قلت: قل، قال: أَترى هذا القصر؟ قلت: نعم، قال: هذا كان لأبي، فباعه وخرج إلى خُراسان، وخرجتُ معه، فمات وزالت عنا النِّعمة، فجئتُ إلى صاحب القصرِ أسأله أن يَصِلَني وأصيرَ على سوَّار بن عبدِ الله القاضي؛ فإنَّه كان صاحبَ أبي، قال: فقلت: ومَن أبوك؟ فذكر رجلًا كان أصدقَ النَّاس إليّ، فقلت: يَا هذا، إنَّ الله قد أتاك بسوَّار، منعه الأكلَ والنومَ والقيلولةَ حتَّى جاء به فأَقعده بين يديك. ثم قلتُ للوكيل: هاتِ الدراهم، فدفعتُها إليه، ثم قلت: إذا كان غدًا فصِرْ إلى المنزل، وركبتُ بغلتي وعدت، وقلت: ما أُحدِّث أميرَ المُؤْمنين بأطرفَ من هذا، فدخلت عليه فحدَّثته، فعجب وأمر لي بألفَي دينار، ثم قال: عليك دَين؟ قلت: نعم، قال: كم هو؟ قال: خمسون ألفَ دينار، فأَمسكَ وجعل يحدِّثي ساعة، ثم قال: امضِ إلى منزلك، فمضيت، وإذا بخادمٍ قد سبقني ومعه خمسون ألفَ دينار، فقال: أميرُ المُؤْمنين يقول: اقضِ بها دَينك، فلمَّا كان من الغد جاءني رسولُه، فمضيتُ إليه، فقال: يَا سوَّار، فكَّرتُ في أمرك فقلت: هذه يقضي بها دَينه ويحتاج للقَرض، قد أمرتُ لك بخمسين ألفَ دينارٍ أخرى، فقبضتُها وانصرفت، وجاءني المكفوف، فوصلته بأربعة آلافِ دينار (١).
وقال الخرائطي: أهدر المهديُّ دمَ رجلٍ كان يسعى في فساد الدَّولة، وجعل لمن يدلُّه عليه مئةَ ألفِ درهم، فخرج يومًا في بعض شوارعِ بغدادَ مستخفيًا، فرآه رجل فعرفه، فلبَّبه وقال: هذا طِلبةُ أميرِ المُؤْمنين، وإذا بمعن بنِ زائدةَ قد أَقبل في موكبه، فصاح: يَا أَبا الوليد، خائفٌ فأَجِره، وميَت فأَحْيه، فقال للرجل: دعْه فقد أجرتُه، فقال: إن أميرَ المُؤْمنين أَوعد عليه بكذا وكذا، فمضى إليه وأَخبره، وأما مَعْن، فبعث بالرجل إلى داره وقال: لا يَخلص إليه أحدٌ وفيكم عينٌ تَطرِف، ودخل معنٌ على المهديِّ فسلَّم عليه، فلم يردَّ وقال: يَا معن، تُجير علي! قال: نعم. قال: ونعم أَيضًا! فقال له معن: قتلتُ في قيام دولتكم في يومٍ واحد أربعةَ آلافِ مصلٍّ ولا يُجار لي رجلٌ واحد قد استجار بي! فأطرق المهدي رأسَه ثم رفعها وقال: قد أَجرنا مَن أجرت.