للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما عاش بعدها إلَّا تسعةً وعشرين يومًا ومات (١).

وقيل: خرج إلى قريةٍ فنصب الشِّباك على المياه لصيد الغِزلان، فنفرتْ وذهبت، وجاءت في اليوم الثاني وقد أَجهدها العطش، فوقفت عند الشِّباك ورفعت رؤوسَها وعجَّت عجةً واحدةً إلى الله تعالى، وإذا قد ارتفعت سحابةٌ فأَمطرت غُدرانًا، فشربتْ والمهديّ ينظر إليها، فحُمَّ من يومه، فلم يلبثْ أيامًا حتى هلك.

وقيل: طردت الكلابُ ظَبيًا وطرد المهديُّ خلفها، فما زال الظَّبْيُ يعدو حتى اقتحم بابَ خَرِبة، فاقتحمت الكلابُ خلفه، واقتحم الفرسُ بالمهدي، فدقَّ بابُ الخربة ظهرَه فوقع ميِّتًا، فنظروا فلم يجدوا ما يحملونه عليه، فقلعوا بابًا من بعض بيوتِ القرية فحملوه عليه إلى معسكره.

وقيل: إنَّه مات مسمومًا، فقال الطَّبري (٢): بعثتْ جاريةٌ من جواري المهديِّ إلى ضَرَّة لها بلِبَأٍ (٣) فيه سمّ، فمرَّت بالمهديِّ وهو قاعدٌ في بستان، فدعا به فأكل منه، وفَرِقت الجاريةُ أن تقول: إنَّه مسموم.

وقيل: إنَّه كان جالسًا في علّيَّة قصره بماسَبَذَان، مشرفٌ من منظرة، وكانت جاريتُه حَسَنةُ قد عمدت إلى كُمَّثرى فجعلته في صِينيَّة وسمَّت منه واحدة، وهي أحسنُه وأنضجه، ووضعتها في أَعلاه، وأرسلت به مع وصيفةٍ لها إلى جارية للمهديِّ كان يتحظَّاها، تريد بذلك قتلَها، وكان المهديُّ يُعجبه الكُمَّثرى، فلمَّا رأى الوصيفةَ دعا بها إليه وأخذ تلك الكُمَّثرى، فأكلها وصرخ: جوفي جوفي، فسمعت حَسَنةُ الصوت، فجاءت تلطِم وتقول: أردتُ أن أنفردَ بك فقتلتُك، وهلك من يومه.

وقال ابنُ عبدوس: كان المهديُّ قد بعث إبراهيمَ بن ذكوانَ الحرَّاني الأعورَ مع ابنه موسى إلى جُرجان، فغلب إبراهيمُ على موسى واختصَّ به، وبلغ المهديَّ عنه أشياءُ تزيَّد أعداؤه عليه فيها، فكتب إلى موسى يطلبه، فتعلَّل عليه، فكتب إليه المهديّ: لئن لم تبعثْ به إليَّ لأخلعنَّك من العهد، فلم يجد بدًّا أن بعث به إليه مكرّمًا مع خادم له


(١) اختصر المؤلف الحكاية، انظرها في تاريخ دمشق والبداية والنهاية.
(٢) في تاريخه ٨/ ١٦٩.
(٣) اللبأ: أول اللبن في النتاج. مختار الصحاح (لبأ).