للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضرب بالعود، وعَمل ببغداد بركةً للسبيل، فقال إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه: [من الطويل]

لو أنَّ زهيرًا وامرأ القيسِ أبصرَا … مَلَاحةَ ما تحويهِ بركةُ زَلْزَلِ

لما وَصفا سَلْمى ولا أُمَّ سالمٍ … ولا أكثرا ذكرَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ (١)

وقال إبراهيم الموصلي: قال لي زلزل: عندي جاريةٌ قد علَّمتها الغناء، وإنَّ من صفتها كذا وكذا. فكنتُ أشتهي أن أراها وأستحي أن أسألَه، فلمَّا مات عرضوها للبيع، فصرتُ إلى ورثته فطلبتُها، فأخرجوها، وإذا جاريةٌ كاد الغزال يكونها، لولا ما تمَّ منها ونقص منه، فقلت لها: غنِّي، فغنَّت وعيناها تذرفان، ثم تنفست وشهقت، وظننتُ أنَّ نفسَها قد خرجت، فقمتُ فدخلتُ على الرشيد، وذكرتُ له حالها، فأمرَ بإحضارها وقال لها: غنِّي، فغنَّت وجعلَ البكاءُ يغلبُها، وهي تمنعه إجلالًا له، فرقَّ لها وقال: أتحبين أنْ أشتريكِ؟ فقالت: يا أميرَ المؤمنين، لقد (٢) عرضتَ عليَّ ما تقصرُ الآمالُ عنه، ولَمَّا خيرتَني وجبَ عليَّ نصحُك، والله لا يشتريني أحدٌ بعد زلزل فِينتفعُ بي، وليس من الوفاء أنْ ينتفع بي أحدٌ بعده، فزادَ رقَّةً عليها، وقال غنِّي، فغنَّت:

العينُ تُظهِر كتماني وتبديهِ … والقلبُ يَكتُمُ ما ضَمَّنتُهُ فيهِ

وكيف يَنْكَتِمُ المكنونُ بينهما … والعينُ تظهرهُ والقلبُ يخفيهِ

فاشتراها وأعتقَها، وأجرى عليها إلى أن توفيت.

* * *


(١) تاريخ بغداد / ٤٠١ - ٤٠٢.
(٢) في (خ): لو. والمثبت من المنتظم ٩/ ٦.