للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّحْمَن، هؤلاء السؤال يتغدَّون بالشِّواء والفالُوذج، كان يكفيه قطعة، فلمَ أَمرتَ له بدرهم؟ فقال: يَا غلام، ردَّه، قد كنتُ أظنُّ أنَّهم يجتزئون بالخلِّ والبقل، فأمَّا إذا كان غداؤهم الشِّواءَ والفالُوذَج، فلا بدَّ من عشرة دراهم، يَا غلام، ادفع له عشرةَ دراهم.

وقال الحاكمُ أبو عبد الله: سافر ابنُ المبارك فأطال السفر، فنزل على صاحبٍ له، فقال له: قد طالت علي العُزْبة، فاشترِ لي جاريةً من صفتها كذا وكذا، قال: فاشتريتها له، ودفعتها إلى أَهلي فأَصلحوها، وحملتها إليه، فأَقامت عنده تلك الليلة، ثم ردَها عليَّ وقال: بِعها، وسألها أهلي فقالت: واللهِ ما وضع يده عليّ. قال: فقلت له: طلبتَ الجاريةَ فاشتريتُها وعرضتها عليك، فرضيتَها، وأمرتُ أمَّ بناتي فهيَّأتْها، ولم تضع يدَك عليها؟ قال: إنني محتاجٌ إليها، ولمَّا خلوت بها ذكرت إخواني، فتذمَّمت أن أنال شهوة لا ينالونها، وليس في يدي ما يَسعهم، أَخرجها فبعها. وفي معناه يقول الشَّاعر: [من الطَّويل]

وتركي مواساةَ الأخِلَّاءِ بالذي … تنال يدي ظلمٌ لهمْ وعقوقُ

وإنِّي لأستحيي من النَّاس أن أُرى … بحالِ اتِّساع والصديقُ مُضيق (١)

وقال أبو نُعيم الأَصْبهانِيّ: كان ابنُ المبارك يَتَّجِر ويَقدَم كل سنةٍ مكةَ، فيبعث بالصُّرر إلى أربابها، كفُضَيل بن عياض، وابن عُيينة، وابن عُلَيَّة، وغيرِهم. فقدم سنةً مكةَ فوجد ابنَ عُلَيَّة قد ولي الصَّدقات لهارون، فبعث بالصُّرر إلى أربابها ولم يبعث إلى ابن عُلَيَّة بشيء، وكان يعطيه في كلِّ سنةٍ خمسَ مئة درهم، فركب ابن عُلَيَّة إليه فسلَّم عليه، فلم يرفعْ به رأسًا ولم يكلّمه، فكتب إليه: أَسعدك اللهُ بطاعته، وتولَّاك بحفظه، وحاطك بحياطته، قد كنتُ منتظرَ البر والصِّلة منك لأتبرَّكَ بها، وجئتك مسلِّمًا فلم تكلِّمني، فأيُّ شيءٍ بدا مني؟ فعرِّفني حتَّى أعتذرَ منه. فلمَّا قرأها ابنُ المبارك قال: يأبى هذا الرَّجل إلَّا أن أَقْشِرَ (٢) له العصا، وكتب إليه: [من السريع]

يا جاعلَ العلم له بازيًا … يصيد أموال المساكينِ


(١) المنتظم ٩/ ٦٢.
(٢) في (خ): يَا هذا الرَّجل الآن اقشر، وهو تحريف، والمثبت هو الصواب، انظر ميزان الاعتدال ١/ ٢١٩، وتهذيب التهذيب ١/ ١٤١.