للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُفسد إلَّا جاهلًا.

وكان من الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر؛ قال: إنَّ من غفلتك عن نفسك إِعراضَك عن الله، بأن ترى ما يُسخِطُه فتُجاوزَه، ولا تأمرَ ولا تنهى خوفًا ممَّن لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا، ومَن ترك الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر مخافةَ المخلوقين، نُزعت منه هيبةُ الله، فلو أمر ولدَه أو بعض مواليه بأمرٍ لاستخفَّ به.

وقال سعيد بن سليمان: كنت بمكَّة وإلى جانبي عبد الله بن عبد العزيز العُمريّ، وقد حجَّ هارون، فقال له إنسان: هذا أميرُ المُؤْمنين يسعى وقد أُخلي له السَّعْيُ (١)، فقال العمريُّ: لا جزاك اللهُ عني خيرًا، كلَّفتَني أمرًا كنت عنه غنيًّا. ثم علَّق نعليه وقام، فتبعتُه، وأقبل هارونُ من المروة يريد الصَّفا، فلمَّا نظر إليه صاح: يَا هارون، فقال: لبَّيك يَا عم، قال: اِرقَ الصفا، فلمَّا رَقِيَه قال: اِرمِ بطَرْفِك إلى البيت، فقال: قد فعلت، قال: كم هم؟ قال: ومَن يُحصيهم؟ قال: فكم في النَّاس مثلُهم؟ قال: خلق لا يُحصيهم إلَّا اللهُ تعالى، فقال: اِعلم أيها الرَّجل أنَّ كلَّ واحد منهم يُسأل عن خاصَّة نفسه، وأنت تُسأل عن كلِّ واحدٍ منهم، هؤلاء كلُّهم خُصماؤك يومَ القيامة، فانظر أيَّ رجل تكون. فبكى هارونُ وجلس، وجعلوا يعطونه منديلًا منديلًا للدُّموع.

قال: وأخرى أقولها لك، قال: قل يَا عمِّ، قال: إنَّ الرَّجل لَيُسرع في ماله فيستحقُّ الحَجْرَ عليه، فكيف بمن أَسرع في مال المسلمين؟ وهارونُ يبكي، وهو يقول له: يَا هارون، فعلتَ وفعلت، فقال له: فماذا تريد؟ قال: تفعلُ كذا وكذا، فقال له هارون: نَعَم يَا عمّ، نعم يَا عم. فكان هارونُ يقول: إنِّي لأُحبّ أن أحجَّ في كلّ سنة، ما يمنعني إلَّا رجل من ولد عمر ثَمَّ يُسمعني ما أكره.

وذكر الطبريُّ أنَّ الرشيد أرسل إليه كيسًا فيه ألفُ دينار (٢) مع الأمينِ والمأمون، فاعترضاه بمكَّة وقالا: يَا عمّ، أميرُ المُؤْمنين يقول لك: خذها وانتفع بها أو فرِّقها (٣)، فقال: هو أعلمُ بمَن يفرِّقها لهم. ثم أخذ من الكيس دينارًا واحدًا وقال: كرهتُ أن


(١) في المنتظم ٩/ ٩٩، وصفة الصفوة ٢/ ١٨٢: المسعى، وهو الأشبه.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٨: ألفًا دينار.
(٣) في (خ): وفرقها.