للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشُّبهات" (١) وهذه شبهةٌ يسقط الحدُّ معها، فقال: وأيُّ شبهةٍ مع المعاينة؟ قلت: ليس توجب المعاينةُ لذلك أكثرَ من العلم بما جرى، والحدودُ لا تكون بالعلم، وليس لأحدٍ أخذُ حقِّه بعلمه، فسجد أُخرى وأمر لي بمالٍ جزيل، فلم أزل أترقَّى حتَّى ولَّاني القضاء.

وقال أبو يوسُف: مَن قال: إنَّ القرآنَ مخلوق، فحرامٌ كلامُه، وفرضٌ مباينتُه.

وخوصم موسى الهادي أميرُ المؤمنين إلى أبي يوسفَ في بستانٍ له، فكان الحكمُ في الظَّاهر للهادي، وكان الأمرُ على خلاف ذلك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الخصم سألني أن أحلِّف شهودَ أميرِ المؤمنين أنَّهم شَهدوا على حقّ (٢)، فقال له: وترى ذلك؟ قال: كان ابنُ أبي ليلى يراه، قال الهادي: فأردُّ البستَانَ إليه. وإنَّما احتال أبو يوسفَ عليه.

وقال: ولِّيت هذا الحكمَ وانغمست فيه، وليس في قلبي منه شيءٌ، وأرجو ألا يسألَني اللهُ ﷿ عن جَور ولا ميل منِّي إلى أحد، إلَّا يومًا واحدًا، فإنَّ في قلبي منه بعضَ ما فيه. قيل: وما ذاك؟ قال: جاءني رجلٌ يومًا فقال: لي بستانٌ قد اغتصبني إيَّاه أميرُ المؤمنين.

فدخلتُ على أمير المؤمنين فأخبرتُه، فقال: هذا البستانُ اشتراه لي أبي المهدي، فقلت: إن رأيتَ أن تحضرَ بخصمك فأَسمعَ منكما الدَّعوى، قال: نعم. فدخل الرجل فادَّعى، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما تقول؟ فقال: البستانُ لي وفي يدي، فقلت للخصم: ما تقول؟ فقال: خذ لي يمينَه، فقلت: أتحلِف؟ قال: لا، فقلت: أَعرض عليك اليمين ثلاثًا، فإن حلفتَ وإلَّا حكمت عليك، فعرضتُها عليه ثلاثًا، فأبى أن يَحلف، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، قد حكمت عليك بردِّ البستان، قال: لا أسلِّمه،


(١) أخرجه أبو حنيفة في مسنده ص ١٤٩ (٣١٦) من حديث ابن عباس وأخرجه التِّرمذيُّ (١٤٢٤) من حديث عائشة بلفظ "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم … " ورجح وقفه ثم قال: وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أصحاب النَّبيِّ أنهم قالوا مثل ذلك. اهـ. وانظر المقاصد الحسنة ص ٧٤.
(٢) في أخبار القضاة ٣/ ٢٥٤، وتاريخ بغداد ١٦/ ٣٦٨، والمنتظم ٩/ ٧٦: أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق.