للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال يَحْيَى بن مَعين: كنت عند أبي يوسفَ وعنده جماعةٌ من أصحاب الحديثِ وغيرهم، فوافته هديةٌ من أمِّ جعفرٍ احتوت على تُخوت، دَبِيقيٍّ (١)، ومُصْمَت (٢)، وطِيب، وتماثيلَ نِدّ (٣)، وغيرِ ذلك. فذاكَرَني رجل بحديث النبِّي : "مَن أتته هديةٌ وعنده قومٌ جلوس، فهم شركاؤه فيها" (٤) فسمعه أبو يوسفَ فقال: أَبِي تُعرِّض؟ إنَّما قال النَّبيُّ ذلك والهدايا الأقِطُ والتمر والزَّبيب، لا ما ترون، ارفعه إلى الخزائن.

وقتل مسلمٌ ذمِّيًّا عمدًا، فحبسه أبو يوسفَ ليُقيدَه به، فرُفعت إليه رقعةٌ مختومة فيها:

يا قاتلَ المسلمِ بالكافر … جُرْتَ وما العادلُ كالجائرِ

يا مَن لبغدادَ وأقطارِها … مِن علماء النَّاسِ أو شاعر

جَارَ على الدِّين أبو يوسفٍ … بقتله المسلمَ بالكافر

فاسترجِعوا وابكوا جميعًا معًا … واصطبروا فالحكمُ للصَّابر (٥)

فدخل على هارونَ وأَخبره، فقال: اِذهب فاحتَلْ. فجلس أبو يوسف، وجاء وليُّ الدم وادَّعى وقامت البيِّنة، فقال لوليِّ الدم: أَقِم البينةَ عندي أنَّ صاحبك كان يؤدِّي الجزية، فلم يُقم بيَنة، فامتنع القَوَد.

وحجَّ أبو يوسفَ معادلًا لهارون، فلمَّا دخل هارونُ الرشيد مكةَ صلَّى بالنَّاس الظهرَ ركعتين، فلمَّا سلَّم قام أبو يوسفَ فقال: يا أهلَ مكَّة، أتمُّوا صلاتكم فإنَّا قومٌ سَفْر، أشار إلى الحديث (٦)، فقال رجلٌ من أهل مكةَ كان معهم في الصَّلاة: نحن أفقهُ من أن نُعلَّم مثلَ هذا، فقال له أبو يوسف: يا ابنَ أخي، لو كنت فقيهًا لما تكلَّمت في صلاتك.


(١) من دِقِّ ثياب مصر، تنسب إلى دبيق وهي بلد في مصر. انظر اللسان والقاموس (دبق).
(٢) الثوب المصمت: لا يخالط لونه لون. القاموس المحيط (صمت).
(٣) ضرب من الطَّيِّب يدخن به. اللسان (ندد).
(٤) أخرجه الطّبرانيّ في الكبير (٢٧٦٢) من حديث الحسن بن علي ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/ ١٤٨: فيه يَحْيَى بن سعيد العطار وهو ضعيف. وأخرجه في الأوسط (٢٤٥٠)، والكبير (١١١٨٣) من حديث ابن عباس ، وقال الهيثمي: فيه مندل بن علي، وهو ضعيف وقد وثق.
(٥) نسب الأبيات صاحب تاريخ بغداد ١٦/ ٣٧٣ لأبي المضرحي شاعرٍ ببغداد.
(٦) أخرجه بهذا اللفظ الطَّبرانيُّ في الكبير (٥١٧) من حديث عمران بن حصين . وهو عند أبي داود (١٢٢٩) بلفظ: "يا أهل البلد، صلوا أربعًا فإنا قوم سفر".