للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنَّه من سوءِ تأديبه … أسلم في كُتَّاب سوءِ الأدبْ (١)

ووقف على المزنيِّ رجلٌ فقال: ما تقول في أبي حنيفة؟ وفياى، سيِّد أهلِ العراق، قال: فأبو يوسف؟ قال: أَتبعُهم للحديث، قال: فمحمَّد بن الحسن؟ قال: أشدُّهم تفريعًا، قال. فزفَر؟ قال: أحدُّهم قياسًا.

ذِكر وفاته:

قال أبو يوسف: صحبتُ أبا حنيفةَ سبعَ عشرةَ سنةً، ثم انصبَّت على الدُّنيا سبعَ عشرةَ سنة، فما أظنُّ أجلي إلَّا قد قَرُب. فما كان إلَّا القليلُ حتَّى مات.

وقال عند موتِه: يا ليتني لم أَدخلْ في القضاء، حتَّى إنِّي بحمد اللهِ ما تعمَّدت جَورًا، ولا حابيتُ خصمًا على خصم، من سلطانٍ أو سُوقة. اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنِّي لم أَجُرْ في حكمٍ حكمتُ به بين عبادك متعمِّدًا، ولقد اجتهدتُ في الأحكام بما يوافق كتابَك وسنَّةَ نبيِّك ، وما أشكل عليَّ جعلتُ أبا حنيفةَ فيه بينى وبينك، وكان أبو حنيفة ممَّن يعرف أمرَك ولا يخرج عن حكمك، اللَّهم إنَّك تعلم أني لم أطأ فرجًا حرامًا، ولم آكل درهمًا حرامًا.

وكان يومُ جنازتِه يومًا مشهودًا لم يتخلَّف عنه من أهل بغدادَ خاصٌّ ولا عامّ، ودُفن يمقابر قريش، وسنُّه تسعٌ وستُون سنة. وقيل: إنَّه مات سنةَ إحدى أو اثنتين وثمانين ومئة. وقال عبَّاد بن العَوَّام: ينبغي لأهل الإِسلام أن يُعَزِّي بعضُهم بعضًا في أبي يوسف.

وبعث معروفٌ الكرخيُّ مع عبد الرَّحمن القوَّاس (٢) يسأل عن مرض أبي يوسف، فوافى جنازتَه وهي خارجة، فمشى معها حتَّى دُفن، ثم عاد فأَخبر معروفًا، فاشتدَّ حزنُه عليه، فسأله عن ذلك، فقال معروف: رأيتُ في المنام كأنِّي دخلت الجنَّة، فإذا بقصرٍ عظيم، ووصف عن حُسنه، فقال: قلت: لمَن هذا؟ فقيل: لأبي يوسفَ القاضي، قلت: وبمَ ذاك؟ قال: بتعليمه النَّاسَ الخيرَ وحرصه عليه، وبأذى النَّاسِ له.

وقال محمَّد بن سَمَاعة: شهدت جنازتَه -أي جنازةَ أبي يوسف- فسمع النَّاسُ قائلًا


(١) أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص ٩٤، ووفيات الأعيان ٦/ ٣٨٣.
(٢) كذا في (خ) وحسن التقاضي ص ٩٠، وفي تاريخ بغداد ١٦/ ٣٨١: عبد الرحيم القواس.