وساروا بأفكارهم، فجلَبوا من أخبار الأُمم حَطبًا وذَهبًا، ولما وقفتُ على بعضِ ما نَصُّوه، وتأمَّلت ما أَنبأوا به عن السالفين وقَصُّوه، رأيت أجمَعها مَقصدًا، وأعذَبها مَوردًا، وأحسنَها بيانًا، وأصحَّها روايةً، يكادُ خَبَرُها يكون عِيانًا؛ الكتابَ المعروف بمرآة الزمان، تأليف الشيخ الإمام شمسِ الدين أبي المظفر يوسف سبط الإمام ابن الجوزي ﵀، الذي ضمنه ما علا قَدرُه على كلِّ نَبيه، وفاقَ به على مَن يُناويه … ".
ويَعجَبُ المرءُ كيف يبقى مثلُ هذا الكتاب القَيِّم حَبيسَ أَرْفُفِ مكتبات المخطوطات ردحًا طويلًا من الزمن، حيث لم يصدر منه غير جزءٍ واحد من أوله بتحقيق الدكتور إحسان عباس طبع بدار الشروق سنة (١٩٨٥) م، وجزء وحيدٍ من آخره طبع بحيدر آباد الدكن سنة (١٩٥٢) م، ولكن هذا العجبَ يتلاشى أمامَ معرفة المشاق والصِّعاب التي تَقفُ دون الحصولِ على نُسَخهِ الخطية، إذ ليس للكتابِ نسخةٌ خطيةٌ كاملةٌ وسَليمة، وإنما هي أجزاء متفرقة من نُسخٍ متعددة لم تَخلُ من السقوطات والتصحيفات، وأصاب بَعضَها خَرمٌ في أولها أو في آخرها أو في أثنائها، وبَعضُها فيه الكثير من الصفحات المطموسة، وبعضها مختصر -كما سنُبيِّن ذلك بعد قليل- ولهذا بذلَ الإخوةُ المحققون -جزاهم اللهُ خيرًا- جُهدًا مُضنيًا في التوفيق بين هذه النسخ والمؤالفة بينها، لاستخراج النصِّ الصحيح واستكماله، وإثباتِه على الوجه الأكمل الذي أراد المصنف أن يكون عليه، وهذا الجهد لا يُقَدِّرُ قَدرَهُ، ولا يعَرفُ مبَلْغَه إلامن عانىَ مِهنةَ التحقيق وخاضَ غِمارَها.
ولا بد لي هنا من قَولةِ حَقٍّ أقولُها، وهي: إنه لولا جهودُ الأستاذ رضوان إبراهيم دعبول -صاحب المؤسسة ومديرها- وإصرارُه ودَأبُه المتواصل في سبيل إخراج هذا الكتاب لما خرج إلى النور، فهو منذ عام ١٩٩٢ م حينما وصلت إلى يدِه بعضُ مخطوطات الكتاب أَوْكَلَ إلى الأستاذ عمر القيّام مهمةَ البدء بتحقيقه بإشراف الدكتور إحسان عباس، ولكنه بعد عام ونصف اعتذرَ عنه، لما يحتاجه هذا العمل من جهدٍ ووقتٍ كبيرين، فلم يَكِلَّ ولم يَمَلَّ، ولكنه بَذلَ الغالي والنفيسَ وضاعفَ الجهدَ في البحثٍ عن بقيةِ نسخ الكتاب الخطية، والسَّعي في تحصيلها سعيًا حثيثًا، حتى تكامل