للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول له (١) وقمتُ لديه نَصبًا … إلى أنْ كاد يَفْضَحُني القِيام

أَما واللهِ لولا خوفُ واشٍ … وعينٌ للخليفة لا تنام

لطُفنا حولَ جِذعِك واستلَمنا … كما للنَّاس بالحَجَر استلام

فما أبصرتُ قبلَك يا ابنَ يحيى … حسامًا فلَّه السَّيف الحُسام

أمرُّ به فيغلِبُني بكائي … ولكنَّ البكاءَ له اكْتتام

على اللذَّات والدُّنيا جميعًا … لدولة آلِ برمكٍ السَّلام

وبلغ الرشيد، فأَحضره وقال: ما حَمَلَك على ما صنعت؟ فقال: تحرَّكت نعمتُه في قلبي فلم أَصبر، فقال: كم أعطاك؟ فقال: كان يُعطيني في كل سنة ألفَ دينار، فأَمر له بألفَي دينار.

وقال مصعبُ بن عبد الله: لمَّا قُتل جعفر وصُلب بباب الجسر، جاءت امرأة على حمارٍ فارِه، فوقفت عليه وقالت بلسانٍ فصيح: أَمَا واللهِ لَئن صرتَ اليومَ آية، لقد كنتَ في المكارم الغاية، ولَئن زال مُلكُك وخانَك دهرُك، لقد كنتَ المَغْبوطَ حالًا، الناعمَ بالًا، ولقد استعظم الناسُ فَقْدَك، حيث لم يجدوا بعدك مثلكَ، فنسأل الله الصبرَ على عظيم الفجيعة، وجليلِ الرؤَّية، فعليك منِّي السلام، وداعَ غيرِ قالٍ ولا ناسٍ لذكرِك. ثم أنشأتْ تقول: [من الطويل]

فلمَا رأيتُ السيفَ خالط جعفرًا … ونادى مُنادٍ للخليفة في يحيى

بكيتُ على الدُّنيا وأيقنتُ أنَّما … قُصارى الفتى يومًا مَفارقةُ الدنيا

وما هي إلَّا دولةٌ بعد دولة … تُخوِّل ذا نُعمى وتُعقِب ذا بلوى

إذا نزلَتْ هذا منازلَ رِفعةٍ … من المُلك حطَّت ذا إلى الغاية القُصوى (٢)

ثم حرَّكت حمارَها، فكأنَّها كانت ريحًا لم يُعرف لها أثر.

وفيه يقول الرَّقَاشيُّ الشاعر: [من الطويل]


(١) في (خ): لديه، وهو خطأ.
(٢) تاريخ بغداد ٨/ ٣٨، والمنتظم ٩/ ١٣٧. والبيتان الأولان لدعبل الخزاعي كما في العقد الفريد ٥/ ٧٠، والوافي بالوفيات ١١/ ١٦٢، وذيل ديوانه ص ١٩٤. وقد جعلها كلها له ابن خلكان ١/ ٣٤٠ - ٣٤١.