للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوَّاده على قَدْر طبقاتهم، فرضي عنه هارون، وظنَّ به غيرَ ما كان يظنُّ ممَّا نْقل إليه عنه، فأعاده إلى خراسانَ واليًا، وخرج معه فشيَّعه.

وقدم عليه خُزَيمةُ بن خازم -وقيل: سعيد الحَرَشِي- بأربع مئةِ رجلٍ من الكفَّار من أهل طَبرستان، فأسلموا على يد هارون.

وولَّى الرشيد وهو بالرَّي عبد الله بنَ مالك طبرستان والرَّيَّ ودُنْباونْد وقُومس وهمَذَان، وولَّى عيسى بنَ جعفرِ بن سليمانَ عُمان، فغزا في البحر، ففتح حصونَ الكفار. وقيل: إئَّه قطع البحرَ من ناحية جزيرةِ ابنِ كاوان (١)، ففتح حصنًا وحاصر آخَر، وعقل عن نفسه وما احترز، فهجم عليه ابنُ مَخلَد الأزديُّ وهو غارّ، فأسره وحمله إلى عُمان.

حديث نَخْلَتَي حُلْوان:

قال إِسحاق بن إِبراهيمَ المَوْصِليّ: لمَا خرج هارونُ إلى خراسان في سنة تسعٍ وثمانين ومئة، وهي أوَّل خرجاتِه إليها، نزل بحُلْوان، ومرض بطرح الدَّم، وكان على عَقَبة حُلوانَ نخلتان من أَحسن النخيل، فوصف له الأطباءُ الجُمَّار (٢)، فقطعوا إِحداهما، وكانتا توأمَتَين، وأَطعموه من جُمَّارها، فبرئ، فلمَّا عاد من الرَّي، مرَّ على التي لم تقْطَع، فوجد عليها مكتوبًا وهي قائمة وحدها: [من الخفيف]

أَسعِداني يا نخلَتَي حُلْوانِ … وفِيَا لي إن كنتما تَفِيَانِ (٣)

أسعِداني وأَيقِنا أنَّ نَحْسًا … سوف يأتيكما فتَفْترقانِ

فبكى الرشيدُ وقال: واللهِ لو علمتُ أنِّي نَخسُهما لَمَا قطعتُهما ولو مُتُّ. والشِّعر لمطيعِ بن إياسٍ في جاريةٍ فارَقَها، وهو: قال:

أسعداني يا نخلتَي حُلْوانِ … وابكيا لي من ريبِ هذا الزمانِ

أَسعِداني وأَيقِنا أنَّ نحسًا … سوف يأتيكما فتفترقان


(١) في (خ): واكان، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣١٧.
(٢) هو شحم النخل.
(٣) الشطر الثاني في المصادر -وكذا سيذكره بعد قليل-: وابكيالي من ريب هذا الزمان. انظر المضاف والمنسوب للثعالبي ص ٥٨٩، والأغاني ١٣/ ٣٣١ - ٣٣٢، ومعجم الشعراء ص ٤٥٥، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٣٧، ومعجم البلدان (حلوان)، والوافي بالوفيات ٢٥/ ٦٤٧.