للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرابطًا.

وكان زاهدًا عابدًا، تُعرض عليه الأموالُ فلا يقبل شيئًا.

حجَّ الرشيد ومعه الأمينُ والمأمون، فلمَّا نزل الكوفة قال لأبي يوسفَ القاضي: قل للمحدِّثين يحدِّثونا. فجاؤوا، فلم يتخلَّف من شيوخ الكوفةِ إلَّا اثنان: عبدُ الله بنُ إِدريس، وعيسى بنُ يونس.

فركب الأمين والمأمونُ إلى ابن إِدريس، فحدَّثهما بمئة حديث، فقال له المأمون: يا عمّ، أتأذنُ لي أن أُعيدَها عليك من حفظي؟ قال: نعم، فأَعادها كما سمعها، فعجب ابنُ إدريسَ من حفظه، فقال له المأمون: يا عم، إنَّ إلى جانب مسجدِك دارًا، أتأذن لي أن نشتريَها وتوسِّع بها مسجدَك؟ قال: لا، قد أَجزأَ هذا مَن كان قبلي، وهو يُجزئني.

فنظر المأمون إلى قَرحٍ في ذراع ابنِ إدريس فقال: يا عمّ، أتأذن لي أن أبعثَ إليك مَن يداويك؟ قال: لا، قد ظهر بي مثلُ هذا وبرئ، فأمر له بمالٍ فلم يقبلْه.

ثم صارا إلى عيسى، فحدَّثهما، فأمر له المأمونُ بعشرة آلافِ درهم، فردَّها، فظنَّ أنَّه استقلَّها، فأَمر له بعشرين ألفًا، فقال: لا واللهِ ولا لشربة ماء على حديث النبيّ .

وقال جعفرُ بن يحيى بنِ خالد (١): ما رأينا مثلَ عيسى بنِ يونس، أَرسلنا إليه، فأتانا بالرقَّة، فاعتلَّ قبل أن يرجع، فقلت: يا أبا عَمرو، قد أُمر لك بخمسين ألفًا، فقال: لا حاجةَ لي فيها، فقلت: هي مئةُ ألف، فقال: لا واللهِ لا يتحدث أهل العلمِ أنِّي أكلت للسُّنَّة ثمنًا، أَلَا (٢) كان ذا قبل أن تُرسلوا إليّ، فأمَّا على الحديث فلا واللهِ ولا لشربة ماءٍ ولا إهلِيلَجة (٣).

ومات بالحَدَث في هذه السنة، وقيل: مات سنةَ تسعٍ (٤) وثمانين، وقيل: سنةَ إِحدى وثمانين، وقيل: سنةَ ثمانٍ وثمانين ومئة. وغزا خمسًا وأربعين غَزاة، وحجَّ خمسًا


(١) وهو البرمكي: انظر النجوم الزاهرة ٢/ ١٣٦.
(٢) في (خ): لا، والمثبت من تاريخ بغداد ١٢/ ٤٧٥، وتاريخ دمشق ١٤/ ١٢٢ (مخطوط).
(٣) في (خ): هليلجة. والإهليلج: شجر ينبت في الهند وكابل والصين، ثمره على هيئة حب الصنوبر الكبار. المعجم الوسيط (الإهليلج).
(٤) لعلها: سبع، كما في المصادر، ولم يذكر هذا التاريخ أحد.