للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على سني أمَّة من الأمم زمان من الأزمنة، وتطول أيامه، فإذا نقلوه من كتاب إلى كتاب أو من لسان إلى لسان يقع فيه الغلط، إما بالزيادة فيه أو النقصان منه، كالغلط الذي وقع بين آدم ونوح والأنبياء في السنين، فإن اليهود قد اختلفوا في ذلك اختلافًا متفاوتًا، وكذا ما وقع في تواريخ الفرس مع اتصال ملكهم إلى أن زال، في تخليط كثير.

والدَّليل على صحة ما ذَكَر أبو معشر قوله : "لا تجاوزوا عدنان، كذب النَّسّابنون" (١). وسنذكر الحديث في سيرته (٢).

قلت: وهذا الذي أشرنا إليه يتعلق بالجاهلية، فأما في الإِسلام فقد اختلفت الروايات، فروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر (٣) رحمه الله تعالى في "تاريخ دمشق" عن أنس بن مالك أنَّه قال: كان التاريخ من مَقْدَمِ رسول الله المدينة، وكذا قال الزهرِي: قَدِم رسول الله المدينة في ربيع الأول، فأرَّخوا.

قال الحافظ: المحفوظ أن الأمر بالتاريخ من زمان عمر بن الخطاب (٤).

قال ابن عباس: قدم النبي المدينة وليس لهم تاريخ، فكانوا يؤرخون بالشَّهر والشَّهرين من مَقْدمه، فأقاموا على ذلك إلى أن توفي رسول الله وانقطع التاريخ، ومضت أيام أبي بكر على هذا وأربع سنين من خلافة عمر، ثم وضع التاريخ (٥).


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ١/ ٥٦، وابن عساكر في "تاريخه" ١/ ٣٩٥ عن ابن عباس أن النبي كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معدَّ بن عدنان بن أدد، ثم يمسك ويقول: (كذب النسابون، قال الله: ﴿وَقُرُونًا بَينَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ ".
وأخرجه ابن سعد ١/ ٥٦، والطبري في "تفسيره" ١٣/ ١٨٧ عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: ﴿وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إلا اللَّهُ﴾ ثم يقول: كذب النسابون. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" ٢/ ١٩٤: والأصح عن ابن مسعود.
(٢) لم يرد الحديث في سيرته، ولعل المختصر قطب الدين اليونيني قد اختصره، أو سها عنه المؤلف.
(٣) "تاريخ دمشق"١/ ١٥، ١٦.
(٤) "تاريخ دمشق": ١/ ١٦.
(٥) انظر "عمدة القاري" ١٧/ ٦٦، و"الإعلان بالتوبيخ" ص ١٣٤.