للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّريّ، عِظني وأوجز، فقال: مَن عَفَّ في حاله، وواسى من ماله، وعدل في سُلطانه؛ كتبه الله من الأبرار، فبكى هارون وقال: زدني، فقال: يا أمير المؤمنين، لو طلبتَ شَربة ماء فلم توجد إلا بنصف الدنيا أكنتَ تشتريها؟ قال: نعم، قال: فلو تعذّرت أكنت تشتري خروجها بالنصف الآخر، قال: نعم، فقال: قبَّح الله دنيا تُباع وتشترى بشربةٍ من ماء وبَوْلة، فبكى هارون.

وقيل: إن ابن السَّمَّاك هو الَّذي قال له هذا.]

وقال الفضل بنُ الربيع: دخل ابن السمَّاك على الرشيد فقال له: اتَّقِ الله، واعلم أنَّك موقوفٌ غدًا بين يدي الله، ثم مَصروفٌ إلى إحدى منزلَتَين لا ثالثةَ لهما، وهما جنَّة أو نار. فبكى هارونُ حتَّى اخضلَّت لحيتُه. قال الفضل: فقلت له: سبحانَ الله! وهل يتخالج في سرِّ أحدٍ أنَّ أمير المؤمنين مَصروفٌ إلَّا إلى الجنَّة إن شاءَ الله؛ لقيامه بحقِّ الله، وعدلِه في عباده! قال: فلم يحفِل ابن السمَّاك بقولي وقال: إن هذا -وأشار إليّ- ليس معك ولا عندك في ذلك اليوم، فاتَّقِ اللهَ وانظر لنفسك.

فبكى هارونُ حتَّى أَشفقوا عليه، وأُنكست فلم أنطقْ بكلمة.

واستسقى الرشيدُ ماء، فأُتي بشربةٍ من ماء، فأهوى إليها ليَشْرَبَها، فقال له ابنُ السمَّاك: على رِسلك، بقرابتك من رسول اللهِ ، لو مُنعت من هذه الشَّرْبةِ بكم كنتَ تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، فقال: اشرب، فلمَّا شربها قال: لقرابتك من رسول اللهِ ، لو مُنعت خروجَها من بَدَنك بماذا كنت تشتريها؟ قال: بجميع ملكي، فقال: إنَّ مُلكًا قيمتُه شربة ماءٍ لَجدير ألا يُنافَس فيه، فبكى هارون (١)،

[مقام لمالك بن أنس الفقيه:]

وقال إِبراهيمُ النَّهاوندي (٢): قدم هارونُ المدينة حاجًّا، فأرسل إلى مالك بن أنسٍ مع البرمكيِّ يقول: احمل "الموطَّأَ" لنسمعَه عليك، فقال مالكٌ للبرمكي: قل له: العلمُ يؤتَى ولا يأتي. فجاء البرمكيُّ فأخبره وعنده القاضي أبو يوسف، فقال له: يا أميرَ


(١) انظر تاريخ الطبري ٨/ ٣٥٩، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١١، وما بين معكوفين من (ب).
(٢) في (ب) وما بين معكوفين منها: روى إبراهيم النهاوندي قال؟