فألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن الغربي في ليلة مظلمة شديدة البرد، فأخذ الطلقُ زوجته فجعل يكادح المقادح فلم تورِ نورًا، فقال لأهله أي لزوجته: ﴿امْكُثُوا﴾ أي: أقيموا ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [القصص: ٢٩] أي: أبصرت. وقال مجاهد: إنما رأى نورًا ولكن وقع الإخبار عما كان في ظنه وما يطلبه ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ﴾ شعلة ﴿مِنَ النَّارِ﴾ وقال مقاتل: إنما قال: ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠] لأنه كان قد ضلَّ الطريق، فعلم أن النار لا تخلو من موقد ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: ٢٩] أي: تستعيذون من البرد.
قال ابن عباس: أمر الله تعالى النيران في تلك الليلة أن تخمد فلا تظهر في الأرض نار.
وأنبأنا جدي ﵀ في "التبصرة" قال: أنبأنا محمد بن أبي منصور بإسناده عن وهب بن منبِّه، وذكر السُّديُّ وقتادة ومجاهد بمعناه دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: خرج موسى في ليلة مثلجة شاتية فولد له ابنٌ في الطريق، فحاد عن الطريق، فأخذ يقدح فلم تورِ المقدحة نارًا، فبينما هو كذلك إذ لاحت له نار وكانت ليلة الجمعة، فقال لأهله: ﴿امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ [طه: ١٠] أي: شعلة، والقبس: ما اقتبس من عيدان ونحوه. فلما قرب من النار، قال وهب: فإذا هو بنار عظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديدة الخضرة، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظمًا وتضرُّمًا، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرةً وحسنًا، فوقف ينظر لا يدري ما يصنع في أمرها، إلا أنه قد ظنَّ أنها شجرة تحترق، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه. قال مجاهد: وسمع تسبيح الملائكة فخاف خوفًا عظيمًا. قال وهب: فلما طال ذلك عليه أهوى إليها بضِغْثٍ في يده ليقتبس منها شيئًا، فمالت نحوه كأنها تريده، فاستأخر عنها ثم عاد، فلم يزل كذلك، فما كان بأسرع أو بأوشك من خمودها، فتعجَّب وقال: إن لهذه النار لشأنًا. فوقف متحيرًا، فإذا بخضرتها قد صارت نورًا، عمودًا ما بين السماء والأرض، فاشتدَّ خوفه وكاد يخالَطُ في عقله من شدة الخوف. وقال مجاهد: صارت عمودًا من نور له شعاع مثل شعاع الشمس تكلُّ دونه الأبصار. فعند ذلك خاف ووضع يده على عينيه ولصق بالأرض، فسمع حسًّا وشيئًا لم