للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عطائي عطاءُ المكثِرين تجمُّلًا … وما لي كما قد تعلمين قليل

وكيف أخاف الفقرَ أو أُحرَمُ الغنى … ورأيُ أميرِ المؤمنين جميل (١)

فطرب الرشيدُ وقال له: لله درُّ هذه الأبياتِ ما أحسنَ أصولَها، وأوقعَ نصولَها، وأجوَد فصولَها، وأقلَّ فضولها. وأمر له بعشرين ألفِ درهم، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، كلامُك واللهِ أحسنُ من شعري. فأمر له بمئة ألفِ درهم، قال الأصمعي: فعلمت أنَّه أَصيدُ لدراهمهم مني.

ودخل على الرشيد العباسُ بن الأَحْنَف، فقال له: أَنشدني أرقَّ بيتٍ قالت العرب، فقال: قد أكثر الناسُ في بيت جَميلٍ حيث قال: [من الطويل]

أَلَا ليتني أعمى أصمُّ تَقودُني … بُثينةُ لا يَخفى عليَّ كلامُها (٢)

فقال له هارون: أنت والله أرقُّ حيث تقول: [من البسيط]

[طاف الهوى في عباد اللهِ كلِّهمِ … حتَّى إذا مرَّ بي من بينهمْ وَقَفا

قال العباس: أنت يا أميرَ المؤمنين أرقُّ قولًا منِّي ومنه حيث تقول،: [من الوافر]

أما يَكفيكِ أنك تَملكيني … وأنَّ الناس كلَّهمُ عَبيدي

وأنَّكِ لو قطعتِ يدي ورجلي … لَقلتُ من الهوى أحسنتِ زيدي

فأمر له بمئة ألفِ درهم (٣).

وكانت عِنانُ جاريةُ النَّاطِفيِّ أديبةً شاعرة حاذقة ظريفة، عارفةً بأصوات الغناء، استعرضها الرشيدُ ثم لها عن شرائها، ثم جلس ليلةً معنا، فغنَّاه بعضُ مَن حضر أبياتَ جرير: [من الكامل]

إنَّ الذين غَدَوا بلُبِّك غادروا … وَشَلًا بعينِكَ لا يزال مَعينا

غيَّضن (٤) من عَبَراتهنَّ وقلْنَ لي … ماذا لقيتَ من الهوى ولَقِينا


(١) الأغاني ٥/ ٣٢٢، وتاريخ بغداد ١٦/ ٥، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٢٧.
(٢) ديوانه ص ١٩٦.
(٣) في تاريخ بغداد ١٦/ ١٧، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٢٩: فأعجب بقوله وضحك، وليس فيهما: فأمر له … وما بين حاصرتين منهما.
(٤) في (خ): قبضن، والمثبت من الديوان ١/ ٣٨٦، والعقد الفريد ٦/ ٣٤. والوشل: الماء السائل شيئًا بعد شيء، والمعين: الظاهر. قاله شارح الديوان.