للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالبيعة وولَّاه العراق، وكان الأمين يشاور قوَّاده وخواصَّه في خلع المأمونِ فيأبون عليه، وقال له خُزيمةُ بن خازم: لا تجرِّئ القوَّادَ على الخَلْع فيخلعوك، ولا تَحْمِلهم على الغَدْر ونَقْص العهود فينقضوا عهدَك ويغدروا بك. فلم يقبل، وخلع أخاه، وبعث إلى الأمصارِ بذلك، وبعث إلى الكعبة وأخذ الكتابَين فمزَّقهما، وأجاز بني شيبةَ بمال كثير، فقال الناس: مُرِّق ملكُه.

وكان محمَّد قد كتب إلى المأمون قبل مكاشفتِه يسأله أن ينزلَ له عن كُوَرٍ من خُراسانَ سمَّاها له، وأن يكونَ بها بريد من قِبَله يكتب إليه بأخباره، فشقَّ ذلك على المأمون، واستشار الفضلَ والحسن ابنَي سهل، فأما الفضلُ فقال: الأمر خَطِر، ولك من شيعتك وأهلِ ولايتك بِطانةٌ لهم أُنسٌ بالمشاورة، وفي قطع الأمر دونهم وَحشة، وظهورُ قلَّةِ ثقة، فَرَ رأَيك في ذلك. وقال الحسن: شاورْ في رأيك مَن تثق بنصيحته، وتألَّف العدوَّ فيما لا اكتتامَ له بمشاورته.

فأحضر المأمونُ خاصَّته، وشيعته، وأهلَ مودَّته، وأخبرهم الخبر، فقالوا: أيها الأمير، قد سألتَ عن أمرٍ خطير، فاجعل لبديهتنا حظًّا من الرَّويَّة والنَّظَر، فقال: هذا هو الحَزْم، وأجَّلهم ثلاثًا، فتروَّوا، ثم اجتمعوا عند المأمونِ والفضلُ بن سهل حاضر، فكلُّهم أشار بأن يعطيَ للأمين ما سأل، إلَّا أن عباراتِهم اختلفت، فقال بعضُهم: كان يقال: إذا كان الأمرُ خطرًا، فإعطاؤك مَن نازعك طرفًا من بُغيته مع قدرته أمثلُ من أن تصيرَ (١) بالمنع إلى مُكاشفته. وقال آخر: لا تأمن أن يكونَ فسادُ يومِك راجعًا بفساد غدِك. وقال آخَر: لا أرى مفارقةَ منزلة سَلامة، لعل أن تُعطى منها العافية.

فقال لهم ذو الرِّياستين: قد اجتهدتم في النصيحة والرأي، غير أنَّ رأيي مخالفٌ لرأيكم، قالوا: ولِم؟ قال: ألستم تعلمون أنَّ محمَّدًا تجاوز إلى طلب شيء ليس له بحقّ؟ قالوا: نعم، قال: فهل أنتم على بيِّنة وثقةٍ أنَّه لا يتجاوز إلى طلب شيءٍ آخر؟ قالوا: لا.

ثم قال للمأمون: هل تأمن أن يكونَ أخوك طلب ما طلب ليستظهرَ به غدًا عليك


(١) في (خ): يضر، والمثبت من تاريخ الطبري.