للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويستشنعه العامَّة، ولكن استدعِ القائدَ بعد القائد، وآنِسه بالأَلطاف والهدايا، وأَرغبهم ومَن معهم بالأموال، فإذا استملتَهم وَهَنَت قُوَّته، وضَعُف حالُه، وأجابك رجاله، فمُرْه بالقدوم عليك، فإن قدم كان الَّذي تريد منه [وإن أبى، كنتَ قد تناولتَه] (١) وقد كلَّ حَدُّه، وضَعُف رُكنُه، وانقطع عِزُّه.

فقال محمَّد: أنت خطيب مِهذار، ولستَ بذي رأيٍ مُصيب، فعدِّ عن هذا الرأيِ إلى الشيخ المُوَفَّق والوزيرِ الناصح -يعني الفضلَ بن الربيع- قم فالحقْ بمِدادك وأقلامك. فقام وهو يقول: ستعلم.

ودسَّ الفضلُ بن سهل إلى بغدادَ أقوامًا يطالعونه بالأخبار يومًا بيوم، وقد بعث طاهرَ بن الحسين إلى الرَّيِّ في جُنْد، وبعث محمَّد عصمةَ بن سالم (٢) إلى هَمَذان في جُند، وولَّاه حربَ الجبال والرَّي، فأقام بهمذان، وحفظ طاهر الطُّرق، وأقام مَن يُفتِّش النساءَ خوفًا من غائلة الكتب، وبعث طلائعَه واحترز، فقال بعضُ شعراء خراسانَ في طاهر: [من الوافر]

رمى أهلَ العراق ومَن عليها … إمامُ العَدْل والمَلِكُ الرَّشيدُ

بأحْزَمِ مَن مَشَى رأيًا وحَزْمًا … وكَيدًا نافِذًا فيما يَكيد

وعَزْمٍ ثاقِبٍ وعظيمِ بأسٍ (٣) … يَشيبُ لهَوْل صَولَته الوَليدُ

واستشار المأمونُ الفضلَ بن سهل وأخاه الحسنَ فيما يفعل، فقالا له: أمسِكْ مَوضعَك، فقال: كيف أقدر على ذلك ومع محمَّد الدنيا والأموالُ والرجال والسِّلاح، وليس معي شيءٌ من ذلك، وحولي الأعداءُ من كلِّ جانب؟! فقالا: الصَّبرَ الصَّبر، فإنَّه عُدَّة في النوائب، وقد غَدَر بك وسلَّ سيف البَغْي، وسوف يُقتَل به، فاثبت.

وحجَّ بالناس داودُ بن عيسى بنِ موسى بن محمَّد بن علي، وكان واليًا على المدينة ومكَّة. وقيل: حجَّ بهم عليُّ بن الرشيد.


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٣٨٥.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٨٧: عصمة بن حماد بن سالم.
(٣) في تاريخ الطبري، والكامل ٦/ ٢٣٥: بداهية نآد خَنْفَقيق.