ثم دخل داودُ من مكةَ إلى البصرةِ ومعه جماعةٌ من ولده، فقدم البصرة، ثم سلك على فارسَ وكَرْمانَ فقدم على المأمون بمرو، فأكرمه ووصله وأحسنَ إليه، وتيمَّن ببَيعته له بمكةَ والمدينة، وأقام داودُ عنده حتى قرب موسمُ الحج، فكتب معه كتابًا إلى أهل المدينة ومكةَ يَشكرهم وَيعِدهم الخير، وأضاف إلى داودَ ولاياتٍ أخر، وكتب له إلى الرَّيِّ بخمس مئةِ ألف درهمٍ معونة، وخرج داودُ مسرعًا ومعه ابنُ أخيه العباسُ بن موسى بنِ عيسى، وعقد المأمونُ للعباس على الموسم، فسارا حتى نزلا بغدادَ وطاهرٌ يحاصرها، فأَكرمهما وأحسن معونتَهما، وجهَّز معهما يزيدَ بن جريرِ (١) بن خالد القَسري، وسارا جميعًا فشهدوا الموسم.
وحجَّ بالناس العباسُ بن موسى، ودعا للمأمون، وهو أوَّل موسمٍ دُعي له فيه بالخلافة بمكَّة والمدينة، فلما صدروا من الحجّ، انصرف العباسُ بن موسى إلى بغدادَ وطاهرٌ يحاصرها، وأقام داودُ على عمله، ومضى يزيدُ إلى اليمن، فأخذ البيعةَ للمأمون، وسار فيهم بأحسنِ سيرة.
وفيها عقد محمَّد نحوًا من أربع مئة لواءٍ لقوَّادٍ شتى، وأمَّر عليهم عليَّ بن محمَّد بنِ عيسى بن نَهيك، فالتقَوا بهَرْثَمةَ على النَّهْرَوان، فهزمهم، وأسر ابن نَهيكٍ، وبعث به إلى المأمون، وذلك في رمضان، ونزل هرثمةُ النهروان.
وفيها استأمن إلى محمَّد جماعةٌ من جند طاهر، فأعطاهم أموالًا عظيمة، وغلَّف لِحاهم بالغالية، وكانوا خمسةَ آلافٍ من جند خراسان، فسُرَّ بهم محمَّد، وجهَّزهم مع جندٍ من عسكره إلى قتال طاهر، فالتقاهم طاهر، فهزمهم وغنم ما في عسكرهم، وبلغ محمَّدًا، فأخرج ما في خزائنه وذخائرِه، وفرَّق الصِّلات، وجمع أهلَ الأرباض، فأعطاهم ووصلهم، وأعطى كلَّ واحدٍ منهم خمسَ مئةِ درهمٍ وقارورةَ غالية، ولم يُعطِ أصحابه شيئًا، وبلغ طاهرًا، فكتب إليهم فاستمالهم، فشَغَبوا على محمَّد، وذلك في ذي الحِجَّة، فقال شاعرٌ من أهل بغداد:[من السريع]
قل لأمين اللهِ في نفْسه … ما شَتَّت الجُندَ سوى الغاليهْ
(١) في (خ): حرب، والمثبت من تاريخ الطبري وابن الأثير.