للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتحوَّل إلى المدائن فنزلها واعتزل بها، وكان ثقة له فضل، ثم خرج إلى مكةَ فنزلها إلى أن مات بها.

وقال طيِّب بن إسماعيل: ذهبنا إلى المدائن إلى شُعيب بنِ حَرْب، وكان قاعدًا على شطِّ دِجلةَ قد بنى كوخًا وله خبزٌ مُعَلَّق، وإنما كان جِلْدًا وعَظْمًا، فقال: أرى ها هنا بعدُ لحمًا، واللهِ لأعملنَّ في ذَوَبانه حتى أدخلَ القبر وأنا عظامٌ تَتَقَعْقَع، أريد السِّمنَ للدود والحيَّات؟! فبلغ الإمامَ أحمد قولُه فقال: شعيب بنُ حرب حمل على نفسِه في الوَرَع.

وجاء رجلٌ إليه وهو بمكَّة، فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئت أؤنسك، قال: جئتَ تؤنسني وأنا أُعالج الوَحْدةَ منذ أربعين سنة؟!.

قال شعيب: لا تجلس إلَّا إلى أحد رجلَين: رجل يعلِّمك خيرًا فتقبل منه، أو رجل تعلِّمه خيرًا فيقبل منك، والثالثُ اهرب منه.

وقال ابنُ ناصر (١): خرج قومٌ من بغداد إلى المدائن لزيارة شعيب، فأقاموا عنده يستقون الماء، فلم يرجعوا إلى دُورهم، فكان شعيبٌ يقول لبعضهم: لو رآك سفيان الثوريُّ لقرَّت عينه.

وخرج إلى مكَّة، وحجَّ في تلك السُّنةِ هارون، فإذا به في الطريق، فناداه شعيب: يا هارون، أتعبتَ الناسَ والبهائم، فقال: خذوه، فلمَّا نزل دعاه وقال: ما الذي أقدمك عليَّ؟ قال: حقٌّ وجب عليَّ لله تعالى، قال: فلمَ دعوتني [باسمي] (٢)؟ قال ما أنت خيرٌ من محمَّد وقد سمَّاه اللهُ باسمه، وكنى عدوَّه أبا لهب.

وقال: مَن أراد الدُّنيا فلْيَتَهيَّأ للذُّلِّ.

وأراد أن يتزوَّج امرأة، فقال لها: أنا سيِّئ الخُلق، فقالت: أسوأُ خُلُقًا منك مَن أحوجك إلى أن تكونَ سيِّئَ الخلق، فقال: أنتِ إذن امرأتي.

وقال: مَن طلب الرِّئاسةَ ناطَحَتْه الكِباش، ومَن رضي أن يكونَ ذَنَبًا أبي اللهُ إلَّا أن يجعلَه رأسًا.


(١) هو شيخ ابن الجوزي في هذه الرواية كما في المنتظم ١٠/ ٤٠، ساقها من طريقه إلى عبد الوهَّاب، ثم ذكر القصة.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ١٠/ ٣٣١.