اجعل بيننا وبينك أجلًا ننظر فيه، فقال له موسى: لم أومر بذلك، وإنما أُمرت بمناجزتك، فإن أنت لم تخرج إليَّ دخلت إليك، فأوحى الله إليه: اجعل بينك وبينه أجلًا، واجعل ذلك إليه، فقال فرعون: أجِّلني أربعين يومًا، ففعل، وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في كلِّ أربعين يومًا مرة، فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة، وخرج موسى فلما مرَّ بالأُسْدِ بَصبصت بأذنابها، وسارت مع موسى تشيّعه ولا تهيجه. انتهت رواية وهب التي رواها عبد الله بن أحمد في "كتاب الزهد" عن أبيه (١).
وقال مجاهد: لما وصلا إلى باب القصر قالا للبواب: ادخل عليه وقلْ له إنَّا رسول رب العالمين، فلما دخل عليه قال: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ [الشعراء: ١٩] فقال له: يا فرعون آمن بربِّ العالمين، ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣] قال: رب السماوات والأرض وموسى وهارون.
فإن قيل: فما هذا جوابه وقد كان ينبغي أن يذكر اسم الله وصفته. قلت: إنما عدل عن ذكر الاسم والصفة لأن فرعون ساله عن ماهية مَنْ لا ماهية له بقوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ فأجابه بهذا الجواب، لأن فرعون لم يكن يعرف الاسم ولا الصفة.
وقال وهب والحسن: أوحى الله إلى هارون، فبشَّره برسالته ونبوة موسى، وأنه قد جعله وزيره ورسوله معه إلى فرعون، فإذا كان يوم الجمعة غرة ذي الحجة، فاخرجْ إلى جانب النيل قبل طلوع الشمس لتلقى أخاك، ففعل. ودخلا على فرعون، وجرى ما جرى.
وقال وهب: إن موسى لما دخل على فرعون قال له: آمن حتى أسأل الله أن يردَّ عليك شبابك، فأخبر هامانَ بذلك، فقال له: اصبغ بالسواد، فصبغ، وهو أول من فعل ذلك. ثم قال فرعون لموسى: قد رددتُ عليَّ شبابي، فقال له: ميعادك ثلاثة أيام، فلما انقضت الثلاث نَصَل خضابه، قال: فكل خضاب يَنْصُلُ بعد ثلاثة أيام.
قال علماء السير: لما دخل موسى على فرعون قال له: إن كنت جئت بآية فأت بها ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الشعراء: ٣٢، ٣٣] وأخرجها ولها شعاع مثل شعاع الشمس.