للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى الخطيب (١) [عن] ابن مَعينٍ قال: أقام يحيى يختم القرآنَ كلَّ ليلة عشرين سنة، ولم يَفُته الزَّوالُ في المسجد أربعين سنة، وما رُئي يطلب جماعة قط. ولم يدخل حمَّامًا، ولا ادَّهن ولا اكتحل، ولا ضحك إلَّا متبسِّما، وكان يتواجد إذا سمع القرآن.

قال أبو نعيم بإسناده إلى علي بن عبد الله قال: كنا عند يحيى بن سعيد، فقال لرجل: اقرأ، فقرأ: حم الدخان، فتغير وجه يحيى، فلما وصل: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠)[الدخان: ٤٠] صَعِقَ يحيى وغُشي عليه، وارتفع صدرُه من الأرض، تقوَّس وانقلب، فأصاب الباب فَقار ظهره (٢)، وسال الدم، وصرخ الناس، فما زالت به تلك القَرحةُ حتى مات.

وسئل الإمامُ أحمد بن حنبلٍ فقيل له: إنَّ أناسًا يُغشى عليهم ويَصعَقون عند سماع القرآنِ والوعظ؟ فقال: لا بأسَ به، قد فعله يحيى بنُ سعيد القطان، ولو كان به بأسٌ ما فعله.

وقال أبو نُعيم (٣): قيل ليحيى في مرضه: يعافيك الله، فقال: أَحبُّه إليَّ أَحبُّه إليه.

واتَّفقوا على أنَّه مات في هذه السَّنة بالبصرة. وروى الخطيب عن [عبد الله بنِ] (٤) سَوَّار بن عبد الله قال: رأيت في المنام كتابًا متعلَّقًا بين السماء والأرض، فقرأته، فإذا فيه: هذا كتابُ براءةٍ من الله تعالى ليحيى بنِ سعيدٍ القطَّان الأحول، قال الخطيب: وكان أحول.

واتَّفقوا على صدقه وورعه وثقته.]

* * *


(١) في تاريخه ١٦/ ٢١٢.
(٢) في الحلية ٨/ ٣٨٢: فغار صدره، والمثبت موافق لما في السير ٩/ ١٨٤.
(٣) في الحلية ٨/ ٣٨١.
(٤) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ١٦/ ٢١٣.