للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وروي أنه استأذن أخاه في الدقيق وأن يتصدق به، ولما قال له: أريد أن أذهب في حاجة، اقعد مكاني. قال: على شرط ألا أمنع سائلًا، وأن أخاه اغتم، فقال له معروف: لا تغتم، فإن ثمن دقيقك في صندوق.

وروى الخطيبُ (١) عن] أبي العباس المؤدِّب قال: حدَّثني جارٌ لي هاشميٌّ بسوق يحيى، وكانت حالُه رقيقة، فقال: وُلد لي مولودٌ وليس عندنا شيء، فقالت زوجتي: لا بدَّ من قيام الصورة (٢)، ومن شيءٍ أتغذَّى به، ولا صبرَ لي على هذا. فخرجت بعد العشاءِ إلى بقَّال كنت أعامله، فعرَّفته حالي، وكان له عليَّ دَين، فلم يعطني شيئًا، ثم صِرت إلى آخَر، فلم يعطني شيئًا، فبقيت متحيِّرًا لا أدري أين أتوجَّه، فصرت إلى دِجلة، وإذا بملَّاح ينادي: فُرضة عثمان، قصر عيسى. فصحت به، فقرب إلي الشطّ، فنزلت معه، فقال: أين تريد؟ فقلت: لا أدري، وقصصتُ عليه قصتي، فقال: لا تغتمّ، أنا أحملك إلى بُغيتك إن شاء اللهُ تعالى.

فوصلنا إلى مسجد معروف، فقال: ادخل وقصَّ عليه حالك وسله أن يدعوَ لك، قال: فدخلنا المسجد، وإذا معروفٌ يصلي، فسلَّمت وصليت ركعتين، فسلَّم وقال: مَن أنت يرحمك الله؟ قلت: من سوق يحيى، وقصصت عليه قصَّتي، فسمع ذلك وقام يصلِّي، ومطرت السماءُ مطرًا كثيرًا، فاغتممت وقلت: كيف جئتُ إلى هاهنا ومنزلي بعيد! واشتغل قلبي. قال: فبينا أنا كذلك، إذ سمعت وَقْعَ حافرِ دابة، فقلت: في هذا الوقتِ من الليل! فدخل المسجدَ رجل وسلَّم على معروف، فقال: مَن أنت؟ فقال: يسلِّم عليك فلان، ويقول: إني بتُّ الليلةَ أتقلَّب في نعم الله، فشكرتُ [الله] (٣) وقد بعثت إليك بخمس مئةِ دينارٍ تدفعها إلى مستحقِّها، فقال: ادفعها إلى ذاك الرجل، فقال: إنها خمسُ مئةِ دينار! فقال: هكذا طلبنا له، فدفعها إليّ، فأخذتها ومضيت بها إلى سوق يحيى، فطرقت على البقَّال، فخرج إليّ، فقلت: هذه خمسُ مئة دينار، قد فتح اللهُ لي بها. وأوفيتُه ما كان له عندي، فأخذت عسلًا ودقيقًا وشَيرجًا وما أحتاج


(١) في تاريخه ١٥/ ٢٦٨ - ٢٦٩. وفي (خ): وقال أبو العباس المؤدب.
(٢) في تاريخ بغداد: هو ذا ترى حالي وصورتي.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).