للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له طاهر: لم تَبكِ؟ لا أبكى اللهُ لك عينًا، واللهِ لقد دانت لك البلاد، وأَذعنَ لك العباد، وصرتَ إلى ما تحبُّ في كلِّ أمرك، فقال: أبكي لأمرٍ ذِكرُه ذُلّ، وسَتره الحزن، ولن يخلو أحدٌ من شجو، فتكلَّم بحاجةٍ إن كان لك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، محمدُ بن أبي العباسِ أخطأ، فأَقِلْه عَثْرَته وارضَ عنه، فقال: قد رضيتُ عنه وأمرتُ بصلته ورددتُه إلى مرتبته، ولو كان من أهل الأُنس لأحضرتُه. وانصرف طاهر.

وكان حسينٌ الخادمُ صاحبَ شراب المأمون، فأرسل إليه طاهرٌ مئتي ألف درهم، وإلى كاتبه محمدِ بن هارونَ مئةَ ألفَ درهم، وقال: سَلِ المأمونَ لمَ بكى لمَّا دخلتُ عليه. فلما تغدَّى المأمونُ قال للحسين: اسقني، قال: لا أفعلُ حتى تُخبرَني لمَ بكيتَ لمَّا دخل طاهر، فقال له: ما لك ولهذا! قال: غممتني بذلك، فقال: واللهِ لئن خرج من رأسك لأَقتلنَّك، فقال: يا سيِّدي، ومتى أذعتُ لك سرًّا! فقال المأمون: لمَّا دخل طاهرٌ ذكرتُ ما نال أخي محمدًا من الذُّلِّ والهوان، فخنقتني العَبرة، ولن يفوتَ طاهرًا منِّي ما يكره.

فأخبر حسينٌ طاهرًا، فاجتمع طاهرٌ بأحمدَ بنِ أبي خالدٍ كاتب المأمون فقال له: إنَّ المعروفَ عندي ليس بضائع، والثناءَ مني ليس برخيص، فغيِّبْني عن عينه، فقال: سأفعل. فأَصبح ابنُ أبي خالدٍ إلى المأمون فقال له: ما نمتُ البارحة، قال: ولم؟ قال: ولَّيتَ غسانَ بن عبادٍ (١) خُراسان، و [هو و] (٢) مَنْ معه أَكَلةُ رأس، وأخاف أن تخرجَ عليه خارجةٌ من التُّرك فتصطلمَه (٣) ومَن معه، قال: لمن ترى بخُراسان؟ قال: طاهر، فقال: ويحك، إنَّه واللهِ خالع، وفي رأسه غَدرة. فقال: أنا ضامنٌ له، فقال: ولِّه، فولاه، وبعث طاهر إلى ابن أبي خالدٍ بمئة ألف دينار (٤)، وسار إلى خُراسانَ من بغدادَ يومَ الجمعةِ لليلةٍ بقيت من ذي القَعدة. وغسانُ بن عباب (٥) هو ابن عمِّ الفضلِ بن سهل.


(١) في (خ): بن أبي خالد، وهو خطأ، والمثبت من المصادر.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٥٧٩.
(٣) في (خ): فيستطلمه، والمثبت من تاريخ الطبري، وتحرفت في المنتظم ١٠/ ١٤٢ إلى: فتصطلحه. وفي الكامل ٦/ ٣٦١: فتهلكه.
(٤) في تاريخ الطبري ٨/ ٥٧٩: فحمل إليه في كل يوم ما أقام فيه مئة ألف، فأقام شهرًا، فحمل إليه عشرة آلاف ألف التي تحمل إلى صاحب خراسان.
(٥) في (خ): وغسان بن أبي خالد. وهو خطأ.