للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاعذِروني إذا بكيتُ (١) من الوجـ … ـد فما لي إلى العزاءِ سبيل

إنَّ دمعي لَشاهدٌ لي على الحـ … ـبِّ دليلٌ بأنَّ حزني طويل

[وحكى عنه أحمدُ بن أبي الحواريِّ قال] (٢): دخلت جبلَ اللُّكَّام، فسمعت صوتَ حزينٍ في ظلام الليلِ يقول: يا أَمَلي ويا مؤمَّلي، ومَن برضاه تمامُ عملي، أعوذ بك من بدنٍ لا ينتصب (٣) بين يديك، ومن قلبٍ لا يشتاق إليك، ومن عينٍ لا تبكي عليك. فعلمت أنَّه كلامُ عارف، فدنوت منه، وإذا بفتًى تُشرق أنوارُه في ظلمة الليل، فسلَّمت عليه فردَّ، فقلت: إنَّ للعارفين مقامات، وإنَّ للمشتاقين علامات. فقال: ويحك يا دارانيّ! وما هي؟ قلت: كتمانُ المصائب، وصيانةُ الكرامات، فقال: أحسنتَ زدني، فقلت: لا تُرِدْ غيرَه، ولا ترجُ سواه، وإيَّاك والدنيا، واتخذ الفقرَ غنى، والبلاءَ شفاء، والتوكُّلَ عليه معاشًا، والحبيبَ عدَّة. فقال: أحسنت، ثم حُجب عنِّي (٤).

[وقال أحمد: خرجتُ مع أبي سليمانَ إلى بيت المقدس، فبينما نحن بجُبِّ يوسفَ ، إذا أنا بشابٍّ نحيلِ الجسم كثيرِ الهمّ، فسلَّم على أبي سليمانَ وقال: أنت المذكورُ بالمعرفة، فهل لك أن تكسبَ أجري؟ قال: اسأل، قال: ما علامةُ المريد؟ فقال: إقبالُه على ما يريد وتركُه كل خليطٍ لا يريد، قال: فصاح وغُشي عليه، فرقَّ له أبو سليمانَ وقعد عند رأسِه، فلمَّا أفاق قال له: أنا ميِّت القلب قليلُ الفهم، فارفقْ بي، قال: قل، قال: متى يعلم المريدُ أنَّه مريد؟ وفي رواية: مراد، فقال: [إذا] (٥) أنزل نفسَه منزلةَ راكبِ البحر، فهو يتوقَّع موجًا يُغرقه أو ريحًا تُعطبه. ثم غُشي عليه وفاته صلوات، فلمَّا أفاق قال له: أَعِد ما فاتك من الصَّلوات، قال: كلِّي فائت، ثم أخذ في البكاء، فقمنا وتركناه].

وقال أحمد: اشتهى أبو سليمانَ رغيفًا حارًّا بملح، فجئت به إليه، فعضَّ منه ثم


(١) في طبقات الأولياء: بليت.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ب): ينصب.
(٤) مناقب الأبرار ١/ ٢٣٠.
(٥) ما بين حاصرتين يقتضيه سياق الكلام، والحكاية ليست في (خ).