للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجرت دموعُهم (١) على خدودهم، وقطرتْ في محاريبهم، أشرف الجليلُ عليهم فيقول: يا جبريل، بعيني مَن تلذَّذ بكلامي، واستراح إلى مناجاتي، نادِ فيهم: ما هذا البكاء؟! هل رأيتم حبيبًا يعذِّب أحبابَه، أم كيف يَحسُن بي أن أعذِّبَ أقوامًا إذا جنَّهم الليلُ تملَّقوا لي! فَبِي حلفت، لَأكشفنَّ لهم عن وجهي إذا وردوا إليّ، فأَنظر إليهم وينظرون إليّ.

وكان يقول: إذا ذكرتُ ذنوبي لم أحبَّ الموت، وأقول: لعلِّي أن أبقى حتى أتوب.

[وهذه رواياتُ ابنِ أبي الدنيا وابنِ باكُويه وأبي نُعيم والخطيب. وقد حكى أبو عبدِ الرحمن وابنُ خميسٍ في كتاب "مناقب الأبرار" وغيرُهم جملة من كلامه، فمن ذلك أنَّه] (٢) قال: ربَّما يقع في قلبي النكتةُ من نُكَت القومِ أيامًا، فلا أقبلها إلَّا بشاهدين عَدْلَين من الكتاب والسُّنَّة.

وقال: إذا غلب الرجاءُ على الخوف فسد القلب، ومَن صارع الدنيا صرعتْه، ومَن أحسن في ليله كوفئ (٣) في نهاره، ومَن أحسنَ في نهاره كوفئ في ليله، ومَن صدق في ترك شهوة، أذهبها اللهُ عن قلبه.

وقال: إنَّ اللهَ يفتح للعارف على فراشه ما لا يفتح له وهو قائمٌ يصلِّي.

وقال: الصوتُ الحسن لا يدخل القلب، ولكن يحرِّك ما فيه.

وقال أحمدُ بن أبي الحَوَاري: سألت أبا سليمانَ فقلت: كيف تقوى قلوبُهم على ما يَرِد عليهم من الواردات الإلهية؟ فقال: هو أكرمُ من أن يبلِّغَهم منزلًا لا تقوى عليه قلوبُهم.

وقال: الاحتلامُ عقوبةٌ من الله تعالى، ألا ترى أن أنبياءَ الله عُصموا منه؟ وقال: ليت قلبي في القلوب مثلُ ثوبي في الثِّياب. وقال: القلبُ إذا جاع وعطش صفا ورقّ، وإذا شبع قسا وعَمِي.


(١) في (خ): عيونهم، والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في مناقب الأبرار ١/ ٢٢٣، وصفة الصفوة ٤/ ٢٢٩، وما بين حاصرتين من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب)، وانظر طبقات السلمي ص ٧٧ - ٧٨، ومناقب الأبرار ١/ ٢٢١ وما بعدها.
(٣) في (خ): عوفي، في الموضعين والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في طبقات السلمي ص ٧٧، ومناقب الأبرار ١/ ٢٢١ وما بعدها.