للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيءٌ يكون الهمُّ بعضَ حروفه (١) … لا خير في إمساكه في الكُمِّ

فأمر له بثلاثين ألفَ درهم.

ذِكر تنكُّره على المأمون ووفاتِه:

وقد ذكرنا سببَ ذلك وإفضاءَه إلى العصيان من غير مجاهرة، وخاف المأمونُ أن يجاهرهَ فينفتقَ عليه من خُراسان فتق عظيم، وربَّما أقام طاهر من آل أبي طاهبر من يولِّيه الأمر، فشرع في ملاطفته [فحكى الخطيبُ عن كُلثوم بن ثابتٍ قال: لمَّا انقبض طاهرٌ عن المأمون واحترز منه] (٢) أهدى له [المأمونُ] وَصِيفًا أديبًا عالمًا بفنون العلم، وبعث معه بالهدايا وأعطاه سمَّ ساعة، وأمره أن يسمَّه [وضمن له الأموال والرِّئاسة والتَّقدمة] فلمَّا وصل إلى طاهر، قبل الهديةَ وأنزل الوصيفَ في دار، وأجرى عليه ما يحتاج إليه، فأقام شهرًا لا يراه، فكتب الوصيفُ إليه [لما تبرَّم بالمقام:] إن كنتَ قبلتني وإلَّا فردَّني إلى مولاي، فاستدعاه طاهرٌ وقد جلس على لِبْد أبيضَ وبين يديه سيفٌ مسلول ومصحفٌ منشور وقد حلق رأسَه، ولما دخل عليه قال: قد قبلنا هديةَ أميرِ المؤمنين غيرَك، فأَخْبِره بالحال التي أنا عليها، وليس له جوابٌ عندي غير ما تراه، وجهَّزه أحسنَ جَهَاز، فلمَّا قدم على المأمون وأخبره بالخبر، جمع جلساءه وقال: ما تقولون؟ فلم يفهموا فعلَ طاهر.

فقال المأمون: أما جلوسُه على اللِّبد وحلقُ رأسه، فقد أخبرنا أنَّه عبدٌ ذليل، وأما المصحف، فهو يذكِّرنا العهودَ التي بيننا وبينه، وأما السيف، فإنَّه يقول: إن وفيت بالمواثيق وإلا فالسيفُ بيننا، ثم قال: لا تذكروه بعد اليوم، فاتفق موتُ طاهر.

وكان يتمثل بقول دِعْبِل: [من الكامل]

أيسومني المأمونُ خُطَّةَ عاجزٍ … أَوَما رأى (٣) بالأمس رأسَ محمَّدِ

إنِّي من القوم الذين همُ وهمْ … قتلوا أخاك وشرَّفوك بمَقْعدِ (٤)


(١) أي: الهاء والميم، وهما: همّ، بعضُ حروف كلمة الدرهم.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب)، والخبر في العقد الفريد ٢/ ٢٠٤ أوضح مما هنا وأتم.
(٣) في (ج): أوما ولي، والمثبت من الديوان ص ١٢٢.
(٤) في الديوان: =