للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أظنُّ أن أميرَ المؤمنين ببغداد، فلمَّا قدمت بغدادَ قيل لي: إنه بالرقَّة، فأردت الرجوعَ إلى المدينة، فثقل عليّ، فخرجت إلى الرقَّة، ورافقني فِتيان من الجند، فقالوا: أين تريد؟ فأخبرتُهم خبري.

ونزلنا في السُّفن، فأكرموني وخدموني، فلمَّا وصلنا الرقَّة نزلنا في خان، وطلبتُ الوصولَ إلى يحيى بنِ خالد، فصعب عليّ، فأتيت أبا البَختريِّ القاضي وهو عارفٌ بي، فأخبرتُه خبري، فقال: غرَّرتَ بنفسك وأخطأت، ولكن سوف أذكرك له، ومَطَلَ بي أيامًا، ونفدتْ نفقتي، وتقطَّعت ثيابي، وأَيِست من أبي البَختري، وإذا هارونُ قد ولَّى بكَّارَ الزُّبيريَّ على قضاء المدينة، فقصدته وعرَّفته خبري مع أبي البختري، فقال: أخطأت، أما علمتَ أنَّ أبا البختريِّ لا يذكرك لأحدٍ ولا يفوه باسمك؟

ثم دخل على يحيى بنِ خالدٍ وأخبره خبري، فاستدعاني، فلمَّا رآني في تلك الحالةِ الخسيسة، ظهر أثرُ الغمِّ في وجهه، واستدناني ورحَّب بي، وجعل يسألني عن الحديث، فأجبتُ بغير الصواب، وكان في رمضان، فقال: تُفطر الليلةَ عندي، فأفطرت، فلمَّا خرجت، بعث إليَّ بكيسٍ فيه خمسُ مئةِ دينار، وأفطرت عنده الليلةَ الثانيةَ والثالثة، فكان يعطيني في كلِّ ليلةٍ خمسَ مئة دينار، وجاءت ليلةُ العيد وقد حَسُنَ حالي واشتريت ثيابًا ودابَّةً وغلامًا، وعرضتُ ما حصل لي على أصحابي الفتيان، فأبَوا أن يأخذوا منه دِرهمًا ولا دينارًا، وقال لي يحيى: اُحضر غدًا العيد مع أمير المؤمنين في الموكب، فحضرت، فأمر لي هارونُ بثلاثين ألفًا، فقلت: أيّها الوزير، لا بدَّ من المسير إلى العيال، فجهَّزني بأحسن جهاز، وبعث معي بهدايا الشام وطُرَفِها، ووصلت المدينةَ فأوسعت على عيالي.

وهذه حكايةٌ طويلة الألفاظ جميلةُ المعاني، اختصرتها وذكرت المقصودَ منها.

وروى الخطيبُ (١) بإسناده إلى أبي عكرمةَ الضَّبِّي، عن سليمانَ بنِ أبي شيخ قال: حدَّثني] الواقديُّ قال (٢): أضقت إضاقةً شديدة وأنا مع يحيى بنِ خالد، وجاء العيد،


(١) في تاريخه ٤/ ٣٠.
(٢) في (ج): وقال الواقدي.