للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصائم عندنا أطيبُ من فأرة المسك. وقال وهب: ولما تسوَّك ذهب بعضُ الخلوف، فأمره الله أن يصوم عشرةَ أيام، ولو ذهب الكلُّ لأمره بصيام ثلاثين يومًا. والميقات: الميعاد.

وقال مقاتل: ولما أتى الميقات تطهر ولبس ثيابه، فأوحى الله إليه: يا ابن عمران، اغسلْ قلبك من حبِّ الدنيا، ولسانك من ذكرها. وقف على طورِ سَيْناءَ أربعين يومًا بلياليها فإني أريد أن أناجيك بغير تَرجُمان، ونادى منادٍ من بطنان العرش- أي من وسطه-: يا جبالَ الدنيا، إن الله يريد أن يكلِّم عليكِ عبده موسى بن عمران، فتطاولت الجبال كلها إلا طور سيناء فإنه تواضع واحتقر نفسه، فكلَّم موسى عليه.

وقال مجاهد: أول ما قال الله تعالى له: يا موسى، أتدري لِمَ اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟ قال: لا ياربِّ، قال: لأنك لما كنتَ ترعى الغنم لشعيب ندَّت سخلةٌ عن أمها فوقفتَ لها وأخذتها ومسحتَ برأسها وقلت: الحقي بأُمِّك.

وقال ابن عباس: قرَّبه الله وأدناه حتى سمعَ صرير الأقلام في اللوح المحفوظ، وأنزل عليه التوراة في عشرة ألواح من الزَّبرجَد، فيها ألف سورة، في كل سورة ألف آية، فيها أمر ونهي ووعد ووعيد وحلال وحرام. وفي الحديث: "أنَّ الله كَتَبَ التَّوراةَ بِيَدِه" (١) وهي خمسة أسفار. قال: وأنزل عليه بعد ذلك مئة صحيفة. قال: وكلَّمه خمس مئة ألف كلمة، كذا روي عن ابن عباس. وقال مجاهد: ألف كلمة.

وقال وهب: وكان في جملة كلامه له: يا موسى، إذا رأيت الفقير مقبلًا فقلْ: مرحبًا بشعارِ الصالحين، وإذا رأيت الدنيا قد أقبلت فقلْ: ذنبٌ عُجِّلَتْ عقوبته. يا موسى، لن يتقرَّب إليَّ المتقرِّبون من أعمال البرّ بمثل الرضى بقضائي، ولن تأتي بعمل أحبطَ لحسناتك من النظر إلى المحارم، وإياك أن تجود بدينك لدنياهم، أُغْلِقْ دونك أبواب رحمتي، يا موسى ادنُ من الفقراء وقرِّبْ مجالسهم منك، وإيَّاك والدنيا فإنك لن تلقاني بكبيرة أضرَّ عليك من حبِّ الدنيا والركون إليها. يا موسى، قلْ للمذنبين النادمين: أبشروا، وقلْ للمعجبين المتكبرين: اخسؤوا (٢).


(١) أخرجه مسلم (٢٦٥٢) من حديث أبي هريرة في قصة حجاج آدم وموسى .
(٢) انظر "المنتظم" ١/ ٣٤٢.