للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسادس: أنه الزنجبيل.

وقال الزجَّاج: هو جميع ما منَّ الله به من غير تعب ولا نَصَب.

والظاهر أنه ما يعرف من هذا المنِّ الأخضر الحلو، كان ينزل على الأشجار كلَّ ليلة مثل الثلج لكلِّ إنسان منهم صاع.

فقالوا: يا موسى، قد قتلنا بحلاوته نريد اللحم، فسأل الله فأنزل السلوى (١).

واختلفوا فيه أيضًا على أقوال:

أحدها: أنه طائر يشبه السُّمانَى، قاله ابن عباس.

والثاني: طيور حمر، قاله مقاتل.

والثالث: طير أكبر من العصفور يكون بالهند، قاله عكرمة.

والرابع: أنه العسل بلغة كِنانة، قاله المُؤرِّج، واحتج بقول الشاعر (٢):

وقاسَمَها بالله حقًّا لأنتمُ … ألذُّ من السَّلوى إذا ما نَشُورُهَا

والأول أصح، وعليه عامَّة المفسرين.

وذكَّرهم الله بما فجَّر لهم من المياه من الحجر، وإنزال التوراة وفيها تبيانُ كلِّ شيء من نعم كثيرة.

فإن قيل: فكيف خاطب الحاضرين بقوله: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ وعدَّد عليهم النعم، وإنما كان ذلك لأسلاف اليهود المخاطبين؟ قلنا: لأن هؤلاء نجوا بنجاة آبائهم وأجدادهم، ومفاخر الآباء مفاخر الأبناء.

وقال ابن عباس: كان يأخذ كلُّ واحد منهم ما يكفيه ليومه وليلته، فإذا كان يومُ الجمعة أخذ ما يكفيه يومين لأنه لم يكن ينزلُ عليهم يومَ السبت. وقيل لهم: لا تدَّخِروا فادَّخَروا ففسد وتغيَّر، فقطع الله ذلك عنهم، وهو قوله: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ أي: ما ضرونا ما عصونا ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧] فقطع الرزق عنهم (٣).


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٤٦.
(٢) هو خالد بن زهير الهذلي، والبيت في شرح ديوان الهذليين ١/ ٢١٥، وقوله: ما نشُورُها: الشور أخذ العسل وجنيه.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٤٧.