للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن عبدَ الله بنَ طاهر جادَّه القتال، وهزم جيوشَه، وكان المأمونُ قد كتب إليه كتابًا يدعوه إلى طاعته، وفيه: أنها بعد: يَا نصرَ بن شَبث، قد عرفتَ الطاعة وعزَّها (١)، وبَرْدَ ظلِّها، وطِيبَ مرتعها، وما في خلافها من الندم والخسار، وإن طالت مدةُ العصيان بك، فإنَّ الله تعالى إنما يُملي لمن يلتمس مظاهرةَ الحجَّة عليه ليعاقبَه على قدر الاستحقاق، وقد رأيتُ إذكارَك وتبصيرك، فإن الصدقَ صدقٌ والباطلَ باطل، ولم يعاملْك أحدٌ من عمَّال أميرِ المُؤْمنين بتعرُّض في مالٍ ودِين ونفْس وأهل، فبأيِّ طريقٍ تأخذ أموال أمير المُؤْمنين وتتولَّى بلادَه وما أَولاه اللهُ تعالى! وتريد أن تبيتَ آمنًا مطمئنًا وادعًا ساكنًا! فوَعالمِ الغيبِ والجهر لَئن لم تكن للطاعة مُراجعًا وبها خانعًا (٢)، لتُسربَلَنَّ (٣) وَخَمَ العاقبة (٤)؛ فإنَّ قرون الشيطانِ إذا لم تُقطع، كانت في الأرض فتنةً وفسادًا كبيرًا، ولأطأنَّ بمن معي من أنصار الدولةِ كواهلَ رَعاعِ أصحابك، ومَن تأشَّبَ (٥) إليك من أداني البلادِ وأقاصيها وطَغَامها وأَوباشها، ومَن ضوى إليك منهم، وقد أَعذر من أَنذر، والسلام.

وكان الكتابُ بخطِّ عَمرو بنِ مَسعدة، فأرسل ابنُ شبث إلى ابن طاهرٍ وطلب منه الأمان، وكان مقامُ ابن طاهرٍ على محاربته خمسَ سنين، وكتب ابنُ طاهرٍ إلى المأمون يُخبره أنَّه حصره وضيَّق عليه، وقتل رؤساءه وأعيانَ أصحابه، وأنه قد عاذ بالأمان بعد أن قطع الفرات وتحصَّن بحصن كَيْسوم (٦) من بلد حلب، وكان قد استولى على الجزيرة والشَّام، فقطع ابنُ طاهرٍ خلفه الفرات، فحصره في كَيسوم.

ولما ورد كتابُ ابن طاهرٍ إلى المأمون، كتب له كتابَ أمان، نسختُه: أما بعد: فإنَّ الإعذار بالحقِّ حجَّة اللهِ المقرونُ (٧) بها النصر، والاحتجاجَ بالحق دعوةُ [الله] (٨)


(١) في (ب) و (خ): وغيرها، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٥٩٩.
(٢) في (خ): ناجعًا، والمثبت من تاريخ الطبري.
(٣) في تاريخ الطبري: لتستوبلن.
(٤) من قوله: فوعالم الغيب … إلى هنا، ليست في (ب).
(٥) في (خ): تناسب، والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري. ومعناه: التفَّ.
(٦) في (ب) و (خ): كيسون، وهو خطأ، وانظر تاريخ الطبري ٨/ ٦٠١.
(٧) في (خ): المعروف، والمثبت من تاريخ الطبري.
(٨) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري.