للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِشْ ما بدا لك في الدنيا فلستَ ترى … في الناس منه ولا من عِلمه خَلَفا

قال أبو العَيناء: فعجبتُ من اختلافهما فيه.

وقال [الخطيب (١): لمّا مات الأصمعيُّ جزع عليه] أبو العَتَاهية [ورثاه بأبياتٍ وقال] (٢): [من الطويل]

لَهفي (٣) لِفَقد الأصمعيِّ لقد مضى … حميدًا له في كلِّ صالحةٍ سهمُ

تقضَّت بَشاشاتُ المجالسِ بعده … وودَّعنا إذ ودّع الأُنس والعِلم

وقد كان نجمَ العلمِ فينا حياتَه … فلمَّا انقضت أيامُه أَفَلَ النَّجم

[قلت: وقد ذكر صاحبُ "بيت مال العلوم" حكايةً تدلُّ على خَساسة نفسِ الأصمعيِّ وسقوطِ همَّته، فقال: روى السِّندي بنُ شاهك قال: ركب جعفرُ بن يحيى بنِ خالد يومًا بعيرَه، فاجتاز بباب الأصمعيِّ وقال لغلامه: إذا أشرتُ إليك فأعطِه ألفَ دينار، فلما نزل دارَ الأصمعيِّ فرأى زِيًّا عجيبًا، رأى منزلَه أوسخ المنازل وأقذرَها، تحته مصلَّى عتيق (٤)، وتحته بُردٌ خَلَق، وعمامةٌ عتيقة وسخة، وإلى جانبه حُبٌّ مكسور، وقصعة مُشعَّبة، وحصيرٌ قد اسودَّ من طول اللَّبث (٥)، ومنارةٌ من خشب قد اسودَّت من الزيت، فوجم جعفر، وأخذ الأصمعيُّ يحادثه ويمازحه ويباسطه، فلم يدعْ مضحكةً ولا نادرةً إلَّا وأتى بها، وجعفرٌ واجم، وأشار لغلامه أن لا، ثم قام وخرج فلمَّا ركبا، قال السِّندي: [قام] (٦) جعفرٌ إليَّ وقال: يا سِندي، مَن استرعى الذئبَ ظلم ووضع النِّعمةَ في غير موضعها، ولقد نفخنا نحن وأميرُ المؤمنين في غير ضَرَم، إنَّ هذا يأخذ من مال اللهِ في كلِّ سنةٍ ما يبني به قصورًا، ويشتري به سراريَّ وغِلمانًا وأثاثًا، ودوابَّ كثيرة،


(١) في تاريخه ١٢/ ١٦٨ - ١٦٩. وما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (خ): يرثيه.
(٣) كذا في تاريخ بغداد وتاريخ دمشق ٤٣/ ٢١٩. وفي ذيل الديوان ص ٦٣٥، ونزهة الألباء ص ١٢٤: أسفت، وبها يصح الوزن.
(٤) رسمت في (ب) هكذا: مصليًا عتيقًا! والكلام ليس في (خ)، وينظر الخبر في عيون الأخبار ١/ ٢٩٩، وديوان المعاني للعسكري ١/ ١٢٩، وتاريخ دمشق ٤٣/ ٢١٧.
(٥) في (ب): اللبس.
(٦) ما بين حاصرتين ليس في (ب)، وانظر تاريخ دمشق ٤٣/ ٢١٧.