للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و [روى الصُّولي عن] هارونَ بن سعدٍ قال (١): كنتُ جالسًا مع أبي نُواس في بعض طرقِ بغداد، وبنو هاشمٍ والأشرافُ يمرُّون به ورِجلُه ممدودة، فيسلِّمون عليه، وما يلتفت وما يكفُّ رِجلَه، إذ أقبل شيخُ على حمارٍ وعليه رداء، فقام إليه أبو نُواس وعانقه وجعل يحادثه، وأطال الوقوف، وجعل يرفع إحدى رِجلَيه ويضع الأخرى من الإِعياء، فلما انصرف الشيخُ قلت لأبي نُواس: مَن هذا الشيخُ الذي عظَّمتَه هذا التعظيمَ وأجللتَه هذا الإِجلال؟! فقال: هذا أبو العَتَاهية، فقلت: فأنت عند الناسِ أكبرُ منه! فقال: مَهْ، فواللهِ ما رأيته قطُّ إلَّا وتوهَّمتُ أنه سماويٌّ وأنا أرضيّ.

وقال أبو تمَّام الطائي: قد قال أبو العَتَاهية شِعرًا لم يَشركْه أحدٌ فيه، منه [قولُه في موسى الهادي:] [من المتقارب]

ولمَّا استقلُّوا بأثقالهمْ … وقد أَزمعوا بالذي (٢) أَزمعوا

قرنتُ التفاتي بآثارهمْ … وأَتْبعتهمْ مُقلةً تدمعُ

ومنه: [من الوافر]

هَبِ الدُّنيا تُساق إليكَ عفوًا … أليس مصيرُ ذاك إلى زوالِ (٣)

ومنه: [من مجزوء الكامل]

الناسُ في غَفَلاتهمْ … ورحى المنيَّة تَطحنُ (٤)

ومنه: [من الطويل]

ألم ترَ أنَّ الفقرَ يُرجَى له الغِنى … وأنَّ الغنى يُخشى عليه من الفقرِ (٥)

ومنه: [من الطويل]

وإنِّي لَمشتاقٌ إلى ظِلِّ صاحبٍ … يروقُ ويصفو إنْ كَدَرتُ عليهِ (٦)

[وهذا البيتُ له قصَّة نذكرها في ترجمة المأمون.


(١) في (ج): وقال هارون بن سعد.
(٢) في تكملة الديوان ص ٥٧٤: للذي.
(٣) الديوان ص ٢٩٧.
(٤) الديوان ص ٣٨١.
(٥) وينسب أيضًا لدعبل. انظر ديوانه ص ٤٤٩ - ٤٥٠، وديوان أبي العتاهية ص ١٤٥.
(٦) الأغاني ١١/ ٣٤٦، والتذكرة الحمدونية ٩/ ٤٠.