للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقامَ الحَجرُ حتى نَظروا إليه، فأَخذ ثوبَهُ وطفِقَ بالحَجرِ ضَربًا" وقال أبو هريرة: والله إن بالحجر ندبًا ستة أو سبعة من ضرب موسى، فذلك قوله تعالى: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] الآية أخرجاه في الصحيحين (١).

وللبخاري عن أبي هريرة عن رسول الله : "إنَّ مُوسَى كان حَييًا يَستتِرُ ألَّا يُرى مِن جِلدِه شَيء استحياءً مِن الله، فآذَاهُ من آذَاهُ مِن بنِي إسرَائيلَ وقالوا: ما يَستتِرُ هذا الستر إلا من عَيبٍ بِجلدهِ، إما بَرصٌ وإما أُدرَةٌ وإما آفَةٌ. وإنَّ الله أرادَ أن يبرِّئَهُ مما قالوا، فَخلا مُوسَى يَومًا وحدَهُ ووضَعَ ثيابَهُ على حَجرٍ، ثُم اغتَسلَ، فلمَّا فَرغَ أقبلَ إلى ثيابِه ليأخُذَها، وإنَّ الحجرَ عَدا بِثوبِهِ فَأخذَ مُوسى عَصاهُ وطَلَبَ الحَجرَ، وجَعلَ يَقولُ: ثَوبي ثَوبي، وذكَرَهُ، حتى انتهى إلى ملأٍ من بَني إسرائيلَ فرأَوهُ عُريانًا أحسنَ ما خَلقَ اللهُ، وأَبرأَهُ مما يقُولُونَ فيه، فَطَفِقَ ضَربًا للحَجرِ، فإنَّ فيه من أثَرِ ضَربِهِ ثلاثًا أو أربَعًا أو خَمسًا"، ونزلت الآية (٢).

وقال الفراء: الآدر: العظيم الخصيتين، وجمح: أسرع إسراعًا لا يرده شيء.

وقال سعيد بن جبير: الحجر الذي وضع عليه ثوبه هو الذي يحمله معه في الأسفار ويضربه فتنفجر منه العيون.

وقال مقاتل: إنما نزلت هذه الآية في قصة هارون، وسنذكره هناك.

فإن قيل: فكشف العورة حرام في غير حقِّ الأنبياء، فكيف مشى موسى وعورته بادية؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن كشف العورة حرام في شرعنا أما في شرعهم فلا، والدليل أنهم كانوا يغتسلون عراة، وموسى يراهم ولا ينكر عليهم، ولو كان حرامًا لأنكره، واستتار موسى إنما كان من باب الحياء لا أنه يجب عليه ذلك.

والثاني: أنه يحتمل أن موسى كان عليه مئزر رقيق فظهر ما تحته لما ابتلَّ بالماء فرأوا أنه أحسن الخلق فزال عنهم ما كان في أنفسهم.


(١) أخرجه البخاري (٢٧٨)، مسلم (٣٣٩).
(٢) صحيح البخاري (٣٤٠٤).