للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما بعد، فإنَّ أميرَ المؤمنين دعا عليَّ بن هشامٍ فيمن كان دعا أيامَ المخلوعِ (١) من أهل خُراسانَ إلى معاونته، فأجاب، فرعى له ذلك، وولَّاه الأعمال السَّنيَّة، ووصله بالصّلات الجزيلة، فبلغت أكثرَ من خمسين ألفَ ألفِ درهم، فمدَّ يده إلى الخيانة، والتضييعِ لما استرعاه من الأمانة، فباعده عنه وأَقصاه، ثمَّ استقال أميرَ المؤمنين، فأَقاله عَثْرتَه، وولَّاه الجبال وإِرْمِينيَةَ وأَذْرَبيجان، ومحاربةَ أعداءِ الله الخُرَّميَّة، على ألا يعودَ إلى ما كان، فأَساء السِّيرة، وعَسَفَ الرَّعية، وسفك الدماءَ المحرَّمة، فوجَّه أميرُ المؤمنين عُجيفَ بن عنبسةَ مباشرًا لأمره، وداعيًا إلى تلافي ما كان منه، فوثب بعجيفٍ يريد قتلَه، فظفر به عجيفٌ ودفعه عن نفسه، ولو تمَّ ما أراد [لَكان في ذلك ما لا يُستدرك ولا يستقال، ولكنَّ الله إذا أرادَ] (٢) أمرًا كان مفعولًا، فلما أَمضى أميرُ المؤمنين من حكم اللهِ في عليِّ بن هشام، رأى ألا يؤاخذَ مَن خلفه بذنبه، وأَجرى على مَن ترك من ولده وعيالِه ومَن اتصل بهم في حال حياتِه ما كان جاريًا عليهم بعد مماتِه، والسلام.

وكان عليُّ بن هشامٍ فاضلًا شاعرًا، وكان المأمونُ يزوره في بيته، ومن شِعره: [من البسيط]

يا موقِدَ النارِ يُذْكيها فيُخمدُها … قُرُّ الشتاءِ بأرياحٍ وأمطارِ

قم فاصطلِ من فؤادي النار مُضْرَمَةً (٣) … بالشوق تَغْنَ بها يا موقدَ النار

ويا أخا الذّودِ قد طال الظَّماءُ بها … ما تعرف الرِّيَّ من جَدْبٍ وإِقتار

رُدَّ العِطاش على عيني ومَحْجِرِها … تُروَ العِطاشُ بدمعٍ واكفٍ جاري

إنْ غاب شخصُك عن عيني فلم تره … فإنَّ ذِكرَك مقرونٌ بإضماري

ومرَّت جاريةٌ له بعد قتلِه على قصره، فبكت وقالت: [من السريع]

يا مَنْزلًا لم تَبْلَ أطلالُهُ … حاشا لأطلالك أن تَبلَى


(١) في (خ): إمامًا مخلوع. والمثبت من تاريخ الطبري.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري.
(٣) في تاريخ دمشق ٥٢/ ١٨: النارَ من قلبي مُضَرَّمةً، وفي الوافي ٢٢/ ٢٨٩: من أحشاي.