للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَلِقٌ بكثرة مالِه وجيادِه (١) … حتَّى يفرِّقها على الأبطالِ

يبني الرِّجال وغيرُه يبني القُرى … شتَانَ بين قرًى وبين رِجال

وجرت للعباس مع المعتصمِ قِصصٌ نذكرها [في مواضعها] (٢) إن شاء اللهُ تعالى.

وأمّا عليّ [بن المأمون]، فإنَّه تزهَّد وترك الدنيا (٣)، وسنذكره آنفًا إن شاءَ الله تعالى.

ولم يشتهرْ من بنات المأمون سوى اثنتين: أمِّ حَبيب زوجةِ علي بن موسى الرِّضا، مات عنها، وأعادها المأمونُ إلى قصره. وأختِها أمِّ الفضل زوجةِ محمد بنِ عليٍّ الرضا، حملها إلى المدينة ثم قدم بها بغدادَ فمات عنها [وسنذكرها] (٤).

قِصَّةُ علي بنِ المأمون:

[قرأتُ على شيخنا الموفَّق المقدسيِّ من كتاب "التَّوابين" قال: ذكر إبراهيمُ بن الجنيدِ في كتاب "الرَّوضة في زهَّاد الملوك" (٥) بإسناده عن] عبد الحميدِ بن محمدٍ أنَّ المأمونَ كان (٦) يَجِدُ بابنه عليٍّ وَجْدًا شديدًا، ويقدِّمه على أولاده، وكان عليٌّ من أحسن الناسِ وأَجملهم، مع حياءٍ وبَشَاشة وتواضع، يلاطف جلساءه، ولا يشرب شيئًا من الأَنبذة، وكان أسخى الناسِ وأَحسنَهم خُلقًا.

وكان سببُ تزهّده ما أخبرني به شاكرٌ مولاه قال: جلس يومًا في مستشرَفٍ له على دِجلة، وإذا بحمَّال قد أقبل عند الزوال وعليه دُرَّاعة صوفٍ بيضاءُ بالية، بغير قميصٍ تحتها ولا سراويل، وقد شدَّ على رِجلَيه خِرَقًا من الحرِّ، وفي رِجلَيه نعلان متخرِّقان، وعلى رأسه خِرقة، وفي عُنُقه كَرْزَنُه (٧) وطَبَقُه، فأَتى دجلةَ فوضع الطبقَ والكَرْزَنَ على الأرض، وحلَّ الخِرَقَ عن رجليه، وتوضَّأ وغسل أَعضاءه، وصلَّى ركعتين، وفتح


(١) في المحاسن والمساوئ ص ١٧٤: وضياعه.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) بعدها في (ب): وفعل البستي بن هارون.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) سماه موفق الدين المقدسي في التوابين ص ١٩٠: زهد الملوك. وما بين حاصرتين من (ب).
(٦) في (خ) و (ف): قال عبد الحميد بن محمد: كان المأمون …
(٧) الكرزن: الفأس. القاموس المحيط (كرزن).