للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثلُه، ومولدُه في صفرٍ سنةَ أربعين ومئة.

[ذكره ابنُ سعد] (١) في الطبقة السابعةِ (٢) من أهل دمشقَ [وقال: كان راويةً لسعيد بنِ عبد العزيز التَّنوخي وغيرِه من الشاميين] وكان أُشخص من دمشقَ إلى عبد اللهِ بن هارونَ وهو بالرقَّة، فسأله عن القرآن، فقال: هو كلامُ الله، وأَبى أن يقول: هو مخلوق، فدعا له بالسَّيف والنِّطع ليضربَ عُنقَه، فلما رأى ذلك أَجاب، فتركه وقال: أَمَا إنَّك لو قلتَ ذاك قبل السَّيف قبلتُ منك، ورددتُك إلى أهلكَ وبلادِك، ولكنك الآنَ تخرج فتقول: قلتُ ذلك فَرَقًا من القتل، فأشخِصوه إلى بغدادَ فاحبسوه بها حتَّى يموت، فحملوه إلى بغدادَ في شهر ربيعٍ الآخِر سنةَ ثمان عشرةَ ومئتين، فحُبس عند إسحاقَ بن إبراهيم، فلم يلبث في الحبس إلَّا يسيرًا حتَّى مات فيه غُرَّةَ رجب [هذه السنة]، فأخرج ليُدفنَ فشهده قومٌ كثيرٌ من أهل بغداد.

وقال أبو الحسينِ الرازي: لمَّا دخل على المأمون بالرَّقة قال له -والسيفُ مشهور- ما تقول في القرآن؟ قال: أَقول كما قال اللهُ تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦]، فقال المأمون: هو مخلوق، فقال: عمَّن تنقل هذا؟ عن رسول اللهِ أم عن الخلفاءِ الراشدين أم عن الصَّحابة والتابعين؟ قال: بالنَّظر، فقال: نحن مع الكتابِ والسُّنَّة والإجماعِ أو مع النظر؟ فقال: أنت عملتَ للسُّفياني، فقال: كلامُ الله قديمٌ غيرُ مخلوق.

فأَشخصه إلى بغدادَ وكتب إلى إسحاقَ بن إبراهيمَ أن يمتحنَه على رؤوس الناس، فأَقامه كذلك وقال: إن لم تُجِب وإلَّا فقد أمرني أميرُ المؤمنين بقتلك، فقال: أيها الناس، أَلَا إنَّ أميرَ المؤمنين قال لي: قل: القرآنُ مخلوق، وإلا ضربتُ عنقَك، أَلَا فهو مخلوق. فعجب الناسُ من توريته، وازداد عندهم فضلًا.

قال الرازيّ: ومرض في حبسه، فتوفِّي لليلتَين مضتا من رجب [في هذه السَّنة] (٣) وهو ابنُ تسعٍ وسبعين سنة، وأُخرج فلم يبقَ ببغدادَ إلا مَن شهد جنازتَه، ودُفن بمقبرة


(١) في طبقاته ٩/ ٤٧٧. وما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (خ) و (ف): وهو من الطبقة السادسة.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).