للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عزل أبو مُسهرٍ نفسَه، فلما دخل المأمونُ دمشقَ لم يلتفت إليه أبو مُسْهر، فحقد عليه.

ومنها ما حكاه (١) [الحافظُ ابن عساكرٍ في تاريخه] (٢) عن علي بن عثمانَ الحَرَّانيِّ قال: مرض أبو مُسهرٍ بدمشق، فدخلنا عليه نعوده، وكنا جماعةً من أهل الحديث، فقلنا: كيف تجدك؟ قال: راضيًا عن الله ساخطًا عن الإِسكندر (٣)، قيل له: ولم؟ فقال: حيث لم يجعلْ بيننا وبين العراقِ سدًّا كما جعل بين أهل خُراسانَ ويأجوجَ ومأجوج.

[قال:] (٤) فما كان بعد هذا بيسيرٍ حتَّى قدم المأمونُ دمشقَ ونزل بسفح جبلِ دَير مُرَّان، وبنى القُبيبةَ التي على الجبل، فكان في الليالي المظلمةِ يأمر [المأمون] بجمرٍ عظيم، فيوقد في الليل ويُجعل في طُسُوت كبارٍ وتُدلَّى بسلاسلَ من فوق الجبلِ عند القُبيبة، حتَّى تضيءَ الغوطةُ فيُبصرَها في الليل، وكان لأبي مُسهر حلقةٌ بجامع دمشقَ بين العشاءين عند الحائطِ الشَّرقي، فبينا هو جالسٌ في حلقته ليلة، إذ دخل ضوءٌ عظيم، فقال: ما هذا؟! فقالوا: النارُ تدلَّى لأمير المؤمنين من الجبل حتَّى تضيءَ له الغوطة، فقال أبو مُسهر: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ … ﴾ الآيات [الشعراء: ١٢٨ - ١٢٩] وكان في حلقته صاحبُ خبرٍ للمأمون، فرفع إليه ذلك، فلما صار [المأمونُ] إلى الرقَّة استقدمه وفَعَل به ما ذكرنا.

وكان على خاتَم أبي مُسهرٍ مكتوب: أَبرمتَ فقُم، فإذا جاءه ثقيلٌ يقول له: اقرأْ ما على هذا. وقيل: إنَّما كان ذلك على خاتم جدِّه (٥).

[وذكر ابنُ عساكرٍ شيئًا من شِعره فقال: حدَّثنا أبو القاسمِ الشحَّامي بإسناده إلى محمد بنِ يحيى قال: سمعتُ أبا مُسهرٍ يُنشد لنفسه:] (٦)


(١) في (خ) و (ف) حكي.
(٢) ٣٩/ ٣٩٥ - ٣٩٦. وما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في تاريخ دمشق: على ذي القرنين.
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) وهو الذي ذكره بن عساكر في تاريخه ٣٩/ ٣٧٩، وأَبْرَمَهُ فَبرِم وتبرَّم: أملَّه فملّ.
(٦) تاريخ دمشق ٣٩/ ٣٩٩. وفي (خ) و (ف): ومن شعر أبي مسهر.