للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجاء رسول الأفشين ليردَّ الناس، فوجد أعلام المسلمين (١) قد دخلت البلد وصعدتْ على قصورِ البلد، وكانت أربعة قصورٍ فيها ستُّ مئة رجل، فخرجُوا فقاتلوا أصحابَ الأفشين، واشتغل أصحاب الأفشين بالحرب، ومرَّ بابك حتى دخل واديًا في مضيق، وقاتل أصحاب الأفشين، ونصب السلالم على القصور وأحرقوها، وقتلوا ستَّ مئةٍ عن آخرهم، وأخذ الأفشين إلى خندقه، وصعد أصحابُ بابك من الواديَ في الليل، وأخذوا من الزاد ما أمكنهم حملُه ومن الأموال، وعادَ الأفشين من الغد إلى البذّ، تمَّم خرابَه وحريقَه ونهبَه، وأفلت بابك إلى إرمينية، فكتبَ الأفشين إلى ملوكها يأمرُهم بحفظ الطرقات والحوطة على بابك، فإنَّه اختفى في وادٍ كثير الشجر، وأطاف العسكر به ووقفوا على المضائق، وورد في تلك الحال كتابُ المعتصم، مكتوب بالذهب، وفيه أمان بابك، وبعث به الأفشين إليه، فقتل أحد الرجلين، وشتم ابنه على ما ذكرنا، وقال للرسول الآخر (٢): يا ابن الفاعلة، ما أنت بابني، لو كنت ابني لعشتَ يومًا واحدًا رئيسًا خير من أن تعيش أربعين سنةً عبدًا ذليلًا.

ثم ارتحل عن طريقٍ لا تعرف، فصار إلى جبال إرمينية ومعه نفرٌ يسيرٌ، فجاع وكان ملوك إرمينية قد أنذروا به، فبينما هو يسير إذا بحرَّاث يحرث في بعض الأودية، فقال لغلامه: خذ دراهم ودنانير وانزل إلى هذا المكان، فإن كان عنده خبزٌ فاشترِ منه، فنزل الغلام إليه، وأعطاه الدنانير، وطلب منه خبزًا، وكان للحرَّاث شريكٌ واقفٌ من بعيد ينظر ما يجري بينهما، وكان على المسلحة في تلك الطريق رجلٌ أرمنيٌّ يقال له: سهل بن سنباط، فجاء شريكُ الحرَّاث فأخبره بالخبر، فجاء سهلٌ إلى الغلام فقال: ما أنت، فأخبره، فقال: وأين مولاك؟ فأشار إليه فصعد سهلٌ إلى الجبل، فرأى بابك فعرفه، فنزل وقبَّل يده، وقال: يا مولاي إلى أين تريد؟ فسمَّى مكانًا، فقال: انزل عندي في صحبي حتى ترى رأيك، فأنا عبدُك ولا بأس عليك، وكلُّ من هاهنا من البطارقة عبيدُك، وقد صار لك منهم أولاد.

وكان بابك إذا عَلِم أنَّ عند بعض البطارقة ابنةً جميلةً أو أختًا بعثَ إليه وطلبها منه،


(١) في تاريخ الطبري ٩/ ٤٤: أعلام الفراغنة.
(٢) يعني أمره بابك أن يقول لابنه.