للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأفشين لشجاعته وكرمه، فلمَّا عاد من حرب بابك سألَ المعتصمَ أنْ يطلق [يدَه على] (١) أبي دُلَف، وما كان يخالفُه في شيء، وكان يَدخلُ على المعتصم بغير إذن، فأطلقَه، فأخذه فقيَّده، وبلغ ابنَ أبي دؤاد، فدخلَ على الأفشين وقال: أبو دُلفٍ فارسُ العرب وشريفُها وملكها، وقد علمتَ ما كان من كسرى إلى النُّعمان حيث ملَّكَه على العرب، وأنتَ اليوم بقيَّةُ كسرى، فكن شريفَ العجم، كما أنَّ القاسم شريفُ العرب، فلم يجب، فقلت: أميرُ المُؤْمنين قد أطلقَه، وأخذت بيده وخرجت (٢)، ودخلتُ على المعتصم فأخبرتُه، فقال: قتلني الله إن لم أقتله، وإذا بالأفشين قد جاء، فقال: يَا أمير المُؤْمنين، أطلقتَ يدي في رجلٍ سعى في دمي، وفعل ما فعل، ثم بعثت إليَّ مع أَحْمد تلك الرسالة، فقال: نعم، لا تعترضْ للقاسم، فقام الأفشينُ متذمّمًا، واتبعتُه لأتلافاه، فصاح بي المعتصم: ارجعْ أَبا عبد الله، وأطلق أَبا دُلَف من القتل.

وبعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد يقول له: لا تقربني، فقال لرسوله: قل له: إنما أَنْتَ رجلٌ رفعتكَ دولة، فإن جئتكَ فلها، وإن قعدتُ فعنك، وما أتيتك من قلَّة، ولا اعتززت بك من ذلَّة (٣).

وقال أبو عبد الرَّحمن التَّوَّزي: استهدى المعتصم من أبي دُلَف كلبًا للصيد، فجعل في عنقه قلادةً وكتب عليها: [من المنسرح]

أوصيكَ خيرًا به فإنَّ له … خلائقًا لا أزالُ أحمدُها

يدلُّ ضيفي علي في ظُلَم الليـ … ـل إذا النارُ نامَ موقدُها (٤)

[وروى الخَطيب عن العتَّابي قال:] (٥) اجتمعنا على باب أبي دُلَف جماعة، وكان يعدنا بأموالٍ تأتيه من الكَرَج وغيره، فجاءته الأموال، فبسَط [الأنطاع]، وجلسنا حوله، فقام قائمًا، واتكأ على قائم سيفه وقال: [من الطَّويل]


(١) ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق. انظر الفرج بعد الشدة ٢/ ٧٠ وما بعدها.
(٢) في الفرج بعد الشدة ٢/ ٧٣: ونفضت في وجهه يدي ونهضت.
(٣) انظر الفرج بعد الشدة ٢/ ٦٧ - ٧٥.
(٤) تاريخ دمشق ٥٨/ ٣٣٤. ومن قوله: وقال أبو الفرج الأَصْبهانِيّ … إلى هنا ليس في (ب).
(٥) في (خ) و (ف): وقال العتابي. والمثبت بين حاصرتين من (ب).