للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت فاطمة امرأة يحيى: قام يحيى ليلةً لورْدِه، فلمَّا فرغ منه قعد يقرأ، إذ سمعتُ جلبةً، فإذا العسكرُ والمشاعل، وهم يقولون: الأميرُ عبد الله بن طاهر يريدُ زيارةَ أبي زكريا، فاستأذنوا، ففتحنا الباب، فدخل عبد الله بن طاهر وحدَه، فسلَّم وقام يحيى والمصحف في يده، ثمَّ رجع إلى قراءته حتَّى ختمَ السورة التي كان افتتحها، ثم اعتذر إلى عبد الله وقال: لم أشتغلْ تهاونًا، وإنَّما كنتُ قد افتتحتُ سورةً، فكرهتُ أنْ لا أختمها، وحادَثه ساعةً، ثم قال له: ارفع حوائجك، فقال: لي حاجة، قال: هي مقضيَّةٌ مهما كانت، قال: قد كنت أسمعُ محاسنَ وجه الأمير، ولم أعاينها إلَّا في ساعتي هذه، وحاجتي إليكَ أن لا ترتكبَ ما يحرقُ هذه المحاسن بالنار، فأخذ ابنُ طاهر بالبكاء، ثمَّ قام وهو يبكي (١).

وشرب يحيى دواءً، فقالت له زوجتُه: قم فتمشَّ في الدار، فقال: أنا أحاسبُ نفسي منذ أربعينَ سنة على خُطاي، فما أعلم ما هذه المِشْية (٢).

وكان إسحاقُ بن راهويه قد ركبه دَينٌ، فدخلَ على يحيى بالعلماء إلى أن يكتب إلى ابن طاهر ورقةً، فامتنعَ، فألحُّوا عليه، فكتب من يحيى بن يحيى إلى عبد الله بن طاهر … فدخل إسحاق على عبد الله بالورقة، فقام له واحترمه وقال له: كم دَينُك؟ قال: ثلاثون ألفًا، فقضاها عنه، وجعلَهُ من خواصِّه.

تُوفِّي يحيى بنيسابور يوم الأربعاء سَلْخَ صفر، وهو ابن أربعٍ وثمانين سنة، فقال محمَّد بن الحسن السرَّاج الزَّاهد -وكان من العبَّاد-: رأيتُ رسولَ الله في النَّوم، فكأنه قد أقبلَ إلى أن وقف على قبرِ يحيى، فتقدَّم، وصفَّ خلفَه جماعةٌ من أصحابه، فصلَّى عليه، ثمَّ التفتَ إلى أصحابه وقال: هذا القبرُ أمانٌ لأهل هذه المدينة.

وقال الحاكم: روى عن يحيى بن يحيى خمس طبقات (٣) من كبار الأئمَّة والعلماء، ورَوى عنه أئمَّة البلدان، وأخرجَ عنه البخاريُّ في مواضع، واتَّفقوا على صدقِه وثقتِه ودينِه وأمانتِه وورعِه.


(١) المنتظم ١١/ ١١٤.
(٢) صفة الصفوة ٤/ ١١٥.
(٣) في (خ) و (ف): روى يحيى بن يحيى عن خمس طبقات. والتصويب من المنتظم ١١/ ١١٥، وتهذيب التهذيب ٤/ ٣٩٨.