للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويطيبون (١)، فاجتازَ بهم رجلٌ من الصالحين، فَدقَّ الباب، فخرجت إليه جاريةٌ، فقال لها: صاحب هذه الدار حرٌّ أم عبد؟ فقالت: بل حرّ، فقال: صدقت، لو كان عبدًا لاستعملَ أدبَ العبودية، وتركَ اللهو والطرب، فسمعَ بشرٌ محاورتهما، فسارع إلى الباب حافيًا [حاسرًا]، وقد ولَّى الوجل، فقال للجارية: ويحك، من كلَّمك (٢) فأخبرته، [فقال: أيَّ ناحيةٍ أخذ الرجل؟ فقالت: ناحية كذا]، فتبعَه [بشر] حتى لحقَه، فقال له: يا سيدي، أنتَ الذي وقفتَ على الباب وخاطبتَ الجارية؟ قال: نعم، قال: أَعِدْ عليَّ ما قلت لها، فأعاد عليه، فجعلَ بشر يمرِّغُ خدَّيه على الأرض ويقول: بل عبدٌ، عبدٌ، عبدٌ، ثمَّ هامَ على وجهه حافيًا [حاسرًا] حتى عُرِفَ بالحفاء، فقيلَ له: لم لا تلبس نعلًا؟! فقال: لأني ما صالحني مولاي إلَّا وأنا حافٍ، فلا أزولُ عن هذه الحالة حتى الممات (٣).

[وقد ذكرنا عن بنت المعافى بن عمران أنَّ بشرًا طرقَ الباب عليها يطلبُ أباها، فقالت: مَنْ بالباب؟ قلت: بشر الحافي، فقالت: لو اشتريتَ نعلًا بدانقين لذهبت عنك هذه الشهرة (٤). وكان لها ستُّ سنين.

ذكره زهده وورعه وعبادته وخوفه ونحو ذلك:

حكى عنه أبو عبد الرَّحمن السُّلميّ أنَّه قال:] (٥) ما شبعتُ منذ ثلاثين سنة، وفي روايةٍ: منذُ خمسينَ سنة.

وقال أبو بكر المروزيّ: قدم بشر من عَبَّادان وهو متَّزرٌ بحصيرٍ بال.

[قال:] وكان يقول: إنِّي لأشتهي الشواءَ منذ أربعين سنة، ما صفا لي درهمه، وإنِّي لأشتهي الباذنجان منذ ثلاثينَ سنةً، ما صفت لي حبَّة (٦).


(١) كذا في النسخ والأصل المخطوط لكتاب التوابين، وقال محققه الأستاذ محمد رضوان عرقسوسي: ولعلَّ الصواب: ويَطْبُنون، يعني أنهم يضربون بالطُّبن، وهو الطنبور. كتاب التوابين (١٠٤).
(٢) في (ب): يكلمك.
(٣) كتاب التوابين (١٠٤). وما سلف بين حاصرتين من (ب).
(٤) تاريخ بغداد ٧/ ٥٤٨.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال بشر.
(٦) انظر صفة الصفوة ٢/ ٣٢٨ - ٣٢٩.