للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فكيف قلع عين ملك الموت؟ فالجواب: أنه أتاه في سورة البشر، فخفي عنه أنه ملك الموت كما خفي عن رسول الله جبريل أول ما جاءه في صورة دِحْيَة الكَلْبيّ، وكما جاءه في سورة أعرابي يسأله عن الإيمان، ثم عرفه بعد ذلك. فالعين المقلوعة هي العين البشرية دون الملكية، فلما عاد إليه وقد ردَّ الله عليه عينه استسلم لأمر الله.

قال عبد الله بن أحمد بإسناده عن أنس قال: لما مات موسى بن عمران جالت الملائكة في السماوات بعضها في بعض، واضعي أيديهم على خدودهم ينادون: مات موسى كليم الرحمن، والرحمن حيّ لا يموت أبدًا (١).

قلت: وهذا الذي ذكرته في وفاة موسى من "الصحيح"، ومن كتاب "الزهد" لأحمد ابن حنبل.

أما قول أرباب السِّير فقد اختلف فيه: فروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان موسى يكره الموت، فأراد الله أن يحبِّبه إليه ويبغّض إليه الحياة، فنبَّأ يُوشَع بن نون، فكان يوشَع يغدو على موسى ويروح فيقول له موسى: يا نبيَّ الله ماذا عهد إليك ربُّك؟ فيقول له يُوشَع: يا نبيَّ الله ألم أصْحَبْكَ كذا وكذا سنة، فهل سألتك يومًا عن ما عهد الله إليك حتى تكون أنت الذي يبتدئ؟ قال: فكره موسى الحياةَ وأحبَّ الموت (٢).

قلت: وهذه رواية ضعيفة فإن موسى هو الذي استخلف يُوشَع بن نون على بني إسرائيل.

وانقطع موسى في عريش يأكل خبز الشعير ويشرب في نقير، وإنما تمنى موسى الموتَ لما رأى يُوشَع قد قام مقامه فأحسن إلى بني إسرائيل، فتمنَّى الموتَ لأنَّ قلبه طاب لما رآه كذلك.


(١) "كتاب الزهد" ص ٩٤. ولفظه: لما مات موسى بن عمران جالت الملائكة في السموات يقولون: مات موسى فأي نفس لا تموت.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٤٩، وتاريخ الطبري ١/ ٤٣٣، والمنتظم ١/ ٣٧٤.