للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال جدي في "المنتظم": وفي هذا بعد، وحديث أبي هريرة يدلّ على غير هذا (١).

قلت (٢): وليس في حديث أبي هريرة أن ذلك الملك قبضه، وإنما فيه: الآن من قريب؛ ويحتمل أن هذه الواقعة كانت عقيب حديث أبي هريرة بيسير، على أن حديث أبي هريرة موقوف عليه وليس بمرفوع على ما بيّنَّاه.

وروي عن ابن عباس أنه قال: كان لموسى ثلاث بنات، فلما احتضر دعاهنَّ وقال لهن: أوصيكن بوصية فاعملن بها، كأنّي ببني إسرائيل وقد عرضوا عليكن الدنيا، فاحذرن منها شيئًا وعليكن بِلَقْطِ السُّنبل فافركنه واجعلنه زادكنَّ إلى الجنة (٣).

واختلفوا في موضع قبره على أقوال:

أحدها: أنه بأرض التيه هو وهارون، ولم يدخل الأرض المقدسة إلا رميةَ حجر، رواه الضحاك عن ابن عباس.

وقال وهب: لا يُعرف قبره، ورسول الله أبهم ذلك بقوله: "إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر" ولو أراد بيانه لبيَّنَ صريحًا.

وأما الحديث الذي فيه ذِكْر الأرض البريصاء فقالوا: لا يصحّ عن رسول الله .

وقال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله.

وقال ابن إسحاق: لم يطّلع أحدٌ على قبر موسى وهارون إلا الرَّخَمَةُ، فنزع الله عقلها لئلا تدلَّ عليه، ومعنى عقلها إلهامها.

والقول الثاني: أنه بباب لُدّ بالبيت المقدس، قال مجاهد: لما انتهت الأربعون سنة التي تاهوا فيها خرج موسى ببني إسرائيل من التِّيه وفتح أَريحَا، وأتى البيت المقدس وقال لهم: ﴿ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: ٥٨] وقد ذكره أبو جعفر الطبري في "تاريخه" وقال: هذا هو الصحيح.


(١) "المنتظم" ١/ ٣٧٥.
(٢) في (ب): قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم … قال المصنف .
(٣) تاريخ دمشق ٦١/ ١٧٥.