للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا دنا الصبحُ قال محمدٌ لبُغَا: ناجزهم قبكَ أن يضيء الصبح فيروا قلَّة عددنا، فيتجبروا (١) علينا، فأبى عليه بغا، فلمَّا طلعَ الصبحُ ورأوا قلَّة الَّذي جاء مع بغا حملُوا عليهم، فهزموهم، فأيقنَ بغا بالهلاك، [وكان بغا] قد بعث من أصحابه نحوًا من مئتي فارس إلى [خيلٍ] (٢) لبني نمير، فبينا هو على الهلكة، إذا بهم قد عادوا، فوجدوه في تلك الحال، فضربوا البوقات، وحَملوا على بني نمير، فظنوهم كمينًا، فانهزموا، ولم يفلت من رجَّالتهم أحد، وأمَّا فرسانُهم فهربوا إلى الجبال.

وقيل: إنَّ الهزيمةَ لم تزل على بُغا منذ غدوة إلى انتصاف النهار، وذلك في جمادى الآخرة، ثم تشاغلوا بالنهب، فكرُّوا عليهم فهزموهم، وقتلوا منهم منذ زوال الشمس إلى وقت العصر زهاء ألف وخمس مئة رجل، ثمَّ أقامَ بغا بموضع الوقعة ثلاثةَ أيَّام، حتَّى جُمعت له رؤوسُ بني نمير، وأرسل من هرب من فرسانهم يطلبونَ الآبيان، فأمَّنهم، وجاؤوا فقيَّدهم وأشخصهم معه، فبينا هم في الطريق إذ حاولوا كسرَ قيودهم ليهربوا، فأحضروا واحدًا واحدًا، وضربه أربع مئة سوط إلى خمس مئة، ثمَّ أقام بحصن الأبار (٣) يرسلُ إلى القبائل ويستصلحهم، وبثَّ سراياه خمسةَ أشهر، وأخذ منهم ثمان مئة رجل من البطون، فأوثقهم بالحديد، وحملَهم إلى البصرة، فدخلها في ذي القعدة هذه السنة، وكتب إلى صالح العباسيّ والي المدينة أن يسير بمن [سُجن في] (٤) الحبسين في المدينة من بني كِلَاب وغيرهم، وأن يلحق بهم، فوافاه بهم ببغداد، ثمَّ ساروا جميعًا إلى سرَّ من رأى، فكانت عدَّةُ من قَدِمَ به بُغا وصالح من الأعراب سوى من مات وقتل زُهاء ألفي رجلٍ ومئتي رجل من جميع القبائل والبطون.

و [فيها] (٥) حَجَّ بالناس محمد بن داود. وأصابَ الحاجَّ في رجوعهم عطشٌ شديدٌ، وبلغت الشربةُ دنانير (٦)، ومات خلقٌ كثير.


(١) في تاريخ الطبري: فيجترؤوا علينا.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ١٤٧، ومكانها في (خ) بياض.
(٣) في تاريخ الطبري ٩/ ١٤٩: حصن باهلة.
(٤) في (خ) و (ف) بياض، والمثبت بين حاصرتين استفدت معناه من تاريخ الطبري ٩/ ٤٩١ - ١٥٠.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب). ومن هنا ابتدأت أحداث السنة الثانية والثلاثين فيها، وليس فيها خبر بني نمير.
(٦) في (خ) و (ف): دينارًا. والمثبت من (ب)، وانظر تاريخ الطبري ٩/ ١٥٠، والكامل ٧/ ٣٤، والمنتظم =