للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا فرغ من القصيدة نثر عليه ألفَ دينار، فلم يمدَّ يده إليها، فالتقطَها غلمانُ بن طاهر، ولم يحيى أن يشاركَهم لشرف نفسِه.

فسعى به الحُسَّادُ إلى ابن طاهر، وقالوا: ترفَّعَ على عطائِك، فأعرضَ عنه، فدخل أبو تمَّام على أبي العميثل شاعرِ الطاهرية، فشكا إليه، فقال أبو العمثيل لابن طاهر: أيُّها الأمير من حمل إليك أملَه من العراق، وكدَّ جسمَه فيك، وأتعَب فكره وخاطرَه، ومدحك، تُعْرضُ عنه. واختصّ به وحمل إليه ألوفًا (١).

والأصح أن أبا تمَّام خرج من خراسان مراغمًا لابن طاهر؛ كان لا يجيز شاعرًا حتَّى يرضاه أبو العميثل وأبو سعيد الضرير فلما قدم أبو تمَّام خراسان دخل عليهما وامتدحهما قصيدته التي أولها: [من الطويل]

هُنَّ عوادي يوسفٍ وصواحبُه … فعزمًا [فقِدْمًا] أدركَ السؤلَ طالبُهْ (٢)

فلم يلتفت إليه أبو العميثل والضرير فلمَّا مر فيها قال:

إلى سالب الجبَّارِ بيضةَ مُلْكِه … وآمِلُهُ غادٍ إليه فسالبُهْ

إلى ملكٍ لم يُلْقِ كَلْكَلَ باسِه … على ملكٍ إلَّا وذُلِّلَ جانبُهْ (٣)

إذا ما امرؤٌ ألقَى بربعِكَ رحْلَهُ … فقد طالبته بالنَّجَاح مطالبُهْ

إذا المرءُ لم يستخْلِص الحزمُ نفسَهُ … فَذِرْوَتُهُ للحادثاتِ وغاربُهْ

أعاذلتي ما أخشنَ الليلَ مَرْكَبًا … وأخشنُ منه في الملمَّاتِ راكبُهْ

فاستحسناها ودخلا على ابنِ طاهر فاثنيا عليه، فاستحضَره وأنشده إيَّاها، فنثر عليه ألف دينار، فلم يرضه، وخرج من عنده يطلبُ العراق فقال: [من الكامل]

يا أيُّها الملكُ المقيمُ ببلدةٍ … لا تأمننَّ حوادثَ الأزمانِ

صاح الزمانُ بآل بَرْمَكَ (٤) صيحةً … خَرُّوا لشدَّتِها على الأذقانِ


(١) انظر أخبار أبي تمام ص ٢١٢ - ٢١٣.
(٢) ديوان أبي تمام ١/ ٢١٦، وما سلف بين حاصرتين منه.
(٣) في الديوان: إلا وللذلِّ جانبه.
(٤) في تاريخ دمشق ٤/ ١٦١ (مخطوط): بآل قومك.